فهو غير غائب عن العلّة في كل لحظة وآن ، وقائم به قيام الرابط بالمعنى الاسمي ، وليس لعلمه حقيقة وراء حضوره لدى العالم.
وعلى الجملة : فاذا كان الممكن قائماً بوجوده مع الواجب ومفتقر إليه في تحقّقه ـ حدوثاً وبقاء ـ وكان قيامه معه كقيام المعنى الحرفي بالمعنى الاسمي ، فهذا النحو من الوجود لا يقبل الغيبوبة وعدم الحضور ، فإنّ الغيبوبة مناط انعدامه وفنائه.
وكل من شك وتردّد في علمه سبحانه بالأشياء والجزئيات فقد غفل عن حقيقة نسبة المعلول إلى علّته ، فإنّ النسبة القائمة بينهما نسبة الفقير إلى الغني ، والمتدلّي إلى المتدلّى به ، والمعنى الحرفي بالمعنى الاسمي ، والرابط بالطرفين.
وهذه الكيفية نفس حقيقة الوجودات الامكانية الصادرة عنه سبحانه ، بحيث لو أخذت منه تلك النسبة لانعدمت ، وخرجت عن حيز الوجود ، أو انقلب اللامستقل إلى المستقل والممكن إلى الواجب.
فاذا كانت الوجودات الامكانية بعامّة أجزائها في عمود الزمان بهذه الكيفيّة والحالة فكيف يصحّ أن يتصوّر لها الغيبة من جانب العلّة وما هي إلاّ فرض انعدامها وفنائها.
لقد كشفت نظرية الحركة الجوهرية عن أنّ ذات المادة بعمقها وجوهرها في حال السيلان ، وإنّ الحركة ليست مختصّة بظواهر المادة وسطوحها ( أي بأعراضها ) بل السيلان والتدرّج والزوال والحدوث ، يعمّ جوهرها وصلبها وجودها وهويّتها أيضاً.
وبعبارة اُخرى : انّ التغيّر والحدوث المتجدّد ، لا يختصّ بصفات المادة وعوارضها ، بل يتطرّق هذا التغيّر إلى ذات المادة بمعنى أنّ الكون بجميع ذراته في تحوّل وتغيّر مستمرّين ، وإنّما يترآى للناظر من الثبات والاستقرار والجمود في مادة الكائنات الطبيعية ليس إلاّ من خطأ الحواس إذ الحقيقة هي غير ذلك ، فكل ذرّة من ذرات المادة خاضعة للتغيّر والتبدّل والسيلان.