قال الحكيم صدر الدين الشيرازي :
لقد تبيّن إنّ الأجسام كلّها متجددة الوجود في ذاتها ، وإنّ صورتها صورة التغيّر ، وكل منها حادث الوجود ، مسبوق بالعدم الزماني ، كائن فاسد ، لا استمرار لهويّاتها الوجودية ، ولا لطبائعها المرسلة ، والطبيعة المرسلة وجودها عين شخصياتها وهي متكثّرة ، وكل منها حادث.
وقال :
إنّ الطبائع الماديّة كلّها متحركة في ذاتها وجوهرها ، مسبوقة بالعدم الزماني فلها بحسب كل وجود معيّن مسبوقيّة بعدم زماني غير منقطع في الأزل (١).
وصفوة القول :
إنّ الحركة ليست إلاّ تعبيراً آخر عن كيفيّة وجود الشيء ، أي أنّ لوجود الشيء كيفيّتين : إمّا وجود قارّ ، أو وجود متدرّج ، وكانت المادة متحركة في جوهرها فإنّ معنى ذلك انّ لها وجوداً سيّالاً متدرجاً ينقضي بعضه بوجود البعض الآخر.
فإذا كان عالم المادة ـ بما أنّ وجوده متدرّج سيّال فلم يزل من حدوث إلى حدوث ـ لا ينفك عن محدث له ، وإذا كانت واقعيّة المادة هي نفس الحركة ، ولم يكن في امكان الحركة أن تقوم بنفسها ، فواقعيّتها نفس التعلّق والتدلّي مثل المصباح الكهربائي المتّصل بالمولّد الكهربائي فإنّه قائم بذلك المولد آناً فآناً ، وهذا هو معنى قولهم : إنّ الموجودات الامكانية متدلّيات بنفسها ومتعلّقات بغيرها.
فإذا كان مجموع العالم هذا هو حاله ، لم يزل يحتاج لامكانه المستمر وحدوثه الداعي إلى علّة تعطي الوجود في كل حين ، فهو لم يزل كعين نابعة ينبع من جانب ويصب في جانب آخر ، وليس للمادة ـ جوهراً وعرضاً ـ أي بقاء وثبات وصمود واستقرار ، بل الخلقة نفس التجدّد والتغيّر.
__________________
(١) الاسفار : ج ٧ ، ص ٢٩٧ و ٢٨٠ و ٢٩٢ و ٢٩٣.