إذا عرفت ذلك يظهر أنّه ليس للعالم حقيقة وراء الوجود التدريجي ، فهو سبحانه في كل حين ولحظة يفيض الوجود على الكون بجواهره وأعراضه من ذرّاته إلى مجرّاته ، وإن تصوّر الإنسان أنّ العالم خلق مرة واحدة وهو مستمر على الخلقة الاُولى ، لكنّه تصوّر مردود بالبرهان بل هناك ايجاد مستمر ، وابداع غير منقطع يحسب الجاهل له ثباتاً وصموداً.
وإذا كان الكون ـ بكل ما فيه ـ من الذرّة إلى المجرّة تجددات وحدوثات متلاحقة وأنّه سبحانه ـ في كل آن ـ ذو شأن أي ذو خلق وإيجاد وفعل وإبداع هذا من جانب.
ومن جانب آخر لا يمكن أن يكون المعلول غائباً عن حيطة العلّة لأنّ الغيبة تضاد وقيام المعلول بعلّته كقيام المعنى الحرفي بالمعنى الاسمي ، ينتج أنّه سبحانه محيط بالأشياء إحاطة علميّة ، وقيوميّة.
فالعالم بذرّاته وكثراته ، فعله وخلقه وعلمه ومعرفته.
وبذلك يعلم : انّ انكار علمه سبحانه بالجزئيات ناشئ من الغفلة عن حقيقة الافاضة والخلقة في العالم أو عن حقيقة ارتباط المعلول بالعلّة.
وبهذا نقف على عظمة الجملة القائلة « إنّ الله بكل شيء عليم » فهي تعني : إنّه عالم بما مضى وما يأتي وما هو كائن ، وهي تحكي عن سعة علمه سبحانه وإحاطته سبحانه بكل ما في هذا الكون ، وبجميع رموزه ، وأسراره وجلائله ودقائقه.
وهذا هو ما تقصده النصوص الإسلامية في الكتاب والسنّة.
فهو سبحانه يصف علمه بقوله : ( وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ) ( الأنعام / ٥٩ ).
وقال تعالى :
( قُلْ إِن تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَ