وأمّا معناه فقد قال ابن فارس : له أصلان يدل أحدهما على ترك الشيء ، والآخر على طلبه ثمّ ترجع إليه فروع كثيرة لا تتفاوت في المعنى.
فالأوّل : العفو ، عفو الله تعالى عن خلقه وذلك تركه إيّاهم فلا يعاقبهم فضلاً منه.
قال الخليل كل من استحقّ عقوبة ; فتركته فقد عفوت عنه (١).
والظاهر أنّ العفو غير الترك بل هو المحو والازالة يقال عفت الديار إذا درست وذهبت ، قال لبيد في معلّقته :
عفت الديار محلّها فمقامها |
|
بمنى تأبّد غولها فَرِجامها |
فعلى هذا العفو في حقّ الله تعالى عبارة عن إزالة آثار الذنوب بالكلّية فيمحوها من ديوان الكرام الكاتبين ولا يطالبه بها يوم القيامة ، وينسيها قلوبهم كي لا يخجلوا عند تذكرها ـ وأحياناً ـ يثبّت مكان كل سيّئة حسنة.
قال تعالى : ( يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ) ( الرعد / ٣٩ ).
وقال تعالى : ( فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ) ( الفرقان / ٧٠ ) (٢).
وعلى هذا فالعفو أبلغ من المغفرة لأنّ الغفران يشعر بالستر ، والعفو يشعر بالمحو ، والمحو أبلغ من الستر.
قال الصدوق : العَفوّ اسم مشتق من العفو على وزن فعول ، والعفو : المحو يقال عفا الشيء إذا امتحى وذهب ودرس ، وعفوته أنا إذا محوته ، ومنه قوله عزّ وجلّ : ( عَفَا اللهُ عَنكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ ) ( التوبة / ٤٣ ) أي محى الله عنك إذنك لهم.
__________________
(١) والأصل الثاني ذكره في آخر كلامه قال : والأصل الآخر الذي معناه : الطلب ، يقال : اعتفيت فلانا : اذا طلبت معروفه. وهذا الاستعمال قليل.
(٢) لوامع البينات : ص ٣٣٨.