وجعل « الراغب » الأصل لمعنى العفو هو القصد (١) وقال العفو : القصد لتناول الشيء يقال عفاه واعتفاه أي قصده متناولاً ما عنده ، وعفت الريح الدار : قصدتها متناولة آثارها ، وعفوت عنه قصدت إزالة ذنبه صارفاً عنه.
ولا يخفى أنّ ما ذكره ابن فارس أقرب بموارد استعمال العفو في الذكر الحكيم.
قال سبحانه : ( وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ) ( آل عمران / ١٣٤ ) فلو كان العفو متضمّناً معنى القصد لقال والعافين للناس.
وقال سبحانه : ( يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ) ( المائدة / ١٥ ).
وما ذكره الراغب هو الأصل الثاني في كلام « ابن فارس » حيث جعل له أصلين أحدهما ترك الشيء والآخر طلبه ولكلّ موارد ، والمعنى الثاني يناسب قوله سبحانه : ( وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ ) ( البقرة / ٢١٩ ).
وأمّا حظ العبد من هذا الاسم فهو أن يعفو عمّن ظلمه ولا يقطع برّه عنه بسب تلك الاساءة ولا يذكر ما تقدّم من أنواع الجفاء شيئاً من الشخص الذي يريد أن يعفو عنه ، قال تعالى : ( وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ) ( النور / ٢٢ ).
فإنّه متى فعل ذلك فالله سبحانه أولى أن يفعل به ذلك.
روى الرازي عن عليّ عليهالسلام انّه دعا غلاماً له فلم يجبه ، فدعاه ثانياً فلم يجبه وهكذا ثالثا فقام إليه فرآه مضطجعاً ، فقال : يا غلام أما سمعت الصوت ؟ فقال : بلى سمعت ، قال : فما منعك من الاجابة ؟ قال : ثقتي بحلمك واتكالي على عفوك ، فقال عليّ عليهالسلام : أنت حرّ لوجه الله تعالى بهذا الإعتقاد (٢).
__________________
(١) ولعلّه الأصل الثاني في كلام ابن فارس.
(٢) لوامع البينات : ص ٣٣٨.