قال العلاّمة الطباطبائي : « القهر نوع من الغلبة وهو أن يظهر شيء على شيء فيضطرّه إلى مطاوعة أثر من الغالب يخالف ما للمغلوب من الأثر كغلبة الماء على النار فيقهرها على الخمود.
فالقاهر من الأسماء التي تصدق عليه تعالى كما تصدق على غيره ، غير أنّ بين قهره تعالى وقهر غيره فرقاً وهو أنّ غيره تعالى من الأشياء انّما يقهر بعضه بعضاً وهما مجتمعان في مرتبة وجودها ، والماء والنار مثلاً موجودان طبيعيان يظهر أثر الأوّل في الثاني ، والله سبحانه قاهر لا كقهر الماء على النار بل هو قاهر بالتفوّق والإحاطة على الاطلاق ، فهو تعالى قاهر على عباده لكنّه فوقهم لا كقهر شيء شيئاً وهما متزاملان ، وقد جاء ذلك الاسم في كلا الموضعين في ( سورة الانعام / ١٦ ـ ٦١ ) مقترناً بقوله « فوق عباده » والغالب في موارد استعمال القهر هو أن يكون المغلوب من اُولي العقل بخلاف الغلبة » (١).
لأجل ذلك صدَّر الآية الاُولى بقوله سبحانه : ( وَإِن يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) ( الأنعام / ١٧ ).
كما أنّه سبحانه يقول : في ذيل الآية الاُخرى : ( حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ المَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ ) ( الأنعام / ٦١ ).
وإنّ استسلام الإنسان للخير والضرّ والموت آية كونه قاهراً على العباد.
ثمّ إنّه قال سبحانه : ( الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ ) ولم يقل « القاهر عباده » وسيوافيك وجهه. ومن عجيب القول استدلال الحنابلة بهذه الآيات على أنّ لله جهة وهي الفوقيّة الذاتية ، مع أنّ الملاك في كون الشيء قاهراً والشيء الآخر مقهوراً وذليلاً هو قهّاريّته وقدرته الواسعة ، لا كونه واقعاً في أفق عال من حيث الحسّ والجهة ،
__________________
(١) الميزان : ج ٧ ، ص ٣٣ ـ ٣٤ بتلخيص منّا.