في الشيء » (١).
فمن الأوّل قوله : ( اللهُ لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ ... ).
وأمّا الثاني فالظاهر أنّ المراد من الصغر في الشيء هو كونه دقيقاً فوق الحسّ. ولأجل ذلك علّل سبحانه قوله : ( لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ ) بكونه لطيفاً كما تقدّم وربّما يتطوّر ويستعمل في النافذ في الأشياء لأنَّ الشيء الصغير ينفذ في المجاري والثقوب الصغار. ويؤيّد ذلك أنّه سبحانه علّل علمه بما خلق بكونه لطيفاً ، وقال سبحانه : ( أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الخَبِيرُ ) ( الملك / ١٤ ) وعليه فيصحّ تفسيره بكونه مجرّداً أو ما هو قريب منه ويكون كناية عن حضوره وإحاطته بباطن الأشياء وظاهرها ، وربّما يكنّى به عن تعاطي الاُمور الدقيقة كما في قوله سبحانه : ( فَتُصْبِحُ الأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ ) ( الحج / ٦٣ ) ، وعليه يحمل قوله سبحانه : ( فَلْيَنظُرْ أَيُّهَا أَزْكَىٰ طَعَامًا فَلْيَأْتِكُم بِرِزْقٍ مِّنْهُ وَلْيَتَلَطَّفْ وَلا يُشْعِرَنَّ بِكُمْ أَحَدًا ) ( الكهف / ١٩ ) أي يعمل بلطف ودقّة.
هذا على القول بأنّ لمصدر « اللطيف » معنيين : الرفق والدّقة ، ويمكن ارجاع المعنى الأوّل إلى الثاني أيضاً لأنّ الرأفة والمحبّة رهن تعاطي الاُمور الدقيقة حتى تستهوي القلوب.
وعلى كل حال فالله سبحانه « لطيف » أي دقيق لا يدرك ، ويتعاطى الاُمور الدقيقة فيخلق أشياء فوق الحواس ، لطيف أي رؤوف بأعمال الاُمور الدقيقة وهكذا ، فتوصف به الذات كما يوصف به الفعل.
قال الرازي : « إنّ اللطيف له تفاسير أربعة :
١ ـ إنّ الشيء الصغير الذي لا يحسّ به لغاية صغره يسمّى لطيفاً ، والله
__________________
(١) يظهر من القاموس أنه إذا أخذ « لطف » من باب « نصر » يكون بمعنى البرّ والاحسان ، وإذا اخذ من باب « كرم » يكون بمعنى صغر ودقة.