يسأل موسى الرؤية لنفسه لا لهم حتى تحل رؤيته لله مكان رؤيتهم فيؤمنوا به بعد إخباره بالرؤية أو يسمعوا كلامه بأنّه لا يرى ، وعندئذ أقدم الكليم على السؤال تكبيتاً لهٰؤلاء واسكاتاً لهم ، وبما أنّه لم يقدم إلاّ إثر الإصرار من جانبهم لم يوجّه إلى الكليم من جانبه سبحانه أي لوم وعتاب أو مؤاخذة وعذاب بل اكتفى بقوله : ( لَن تَرَانِي وَلَٰكِنِ انظُرْ إِلَى الجَبَلِ ... ).
وبعبارة اُخرى إنّ موسى كان من أعلم الناس بالله وصفاته وما يجوز عليه وما لا يجوز ، ولكن ما كان طلب الرؤية إلاّ لتكبيت هٰؤلاء الذين وصفهم بأنّهم سفهاء وتبرّأ من فعلهم ، فبما أنّهم لجّوا وتمادوا وقالوا بأنّهم لا يؤمنون به حتى يراه موسى ويخبرهم به أو يسمعوا النص من عند الله باستحالة ذلك وهو قوله « لن تراني » فطلب موسى الرؤية ليسمعوا كلامه ويزول ما دخلهم من الشبهة ، ولأجل ذلك قال : ( رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ ) ولم يقل ( ربّ أَرهم ينظروا إليك ).
ويؤيّد تعدّد السؤال مع كون الميقات واحد ، أمران :
١ ـ إنّ الرجفة عمّت جميع الحاضرين في الميقات إلاّ موسى نفسه فانّه لم يصبه شيء بل شاهد باُمّ عينيه أنّهم ماتوا إثر نزول العذاب.
قال سبحانه : ( فَلَمَّا أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُم مِّن قَبْلُ وَإِيَّايَ ... ) فإنّ الظاهر من ترتّب « قال » على قوله « فلمّا أخذتهم » إنّ موسى لم يصبه شيء حتى الاغماء والغشيان بل قال ما قال بعد موتهم بلا فصل.
وأمّا عند ما تصدّى موسى نفسه للسؤال وقال أرني أنظر إليك ، كانت نتيجة ذلك سقوطه صعقاً ثمَّ إفاقته وتوبته وإنابته ، فأصابه شيء لم يصبه عند السؤال الأوّل.
وحاصل هذا الوجه أنّه يمكن استكشاف تعدّد الواقعة باختلاف الأثر وهو كونه عليهالسلام سالماً غير مصاب بشيء في الواقعة الاُولى وكونه صعقاً في الواقعة الثانية ، وهذا يكشف عن تعدّد السؤال.