٢ ـ نرى أنّه سبحانه يذكر سؤال القوم مع نزول الصاعقة والرجفة ، ويذكر السؤال الثاني بتجلّي الرب على الجبل وصيرورته دكّاً وسقوط موسى صعقاً ، ثمّ إفاقته وإنابته من دون ذكر لطروء شيء على قوم موسى ، فالقول بوحدة الواقعتين لا ينسجم مع ظواهر هذه الآيات.
ما وجه تقديم سؤال موسى على سؤال قومه ؟
إنّ هذا التقرير يعرب عن أنّ قوم موسى تقدّموا بالسؤال أوّلاً فأخذتهم الصاعقة فبعدما أحياهم سبحانه تقدّم موسى إلى السؤال ثانياً بإلحاح قومه حتى يرى موسى ربّه أو يُسمِع لهم كلام الرب بأنّه لا يمكن رؤيته ، وعلى هذا كان الأليق تقديم سؤال القوم على سؤال موسى مع أنّ المصحف الكريم حكى سؤال موسى أوّلاً بقوله : ( وَلَمَّا جَاءَ مُوسَىٰ لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ ) ( الأعراف / ١٤٣ ).
ثمّ حكى سؤال قومه في الآية رقم ١٥٥ من تلك السورة أعني قوله : ( وَاخْتَارَ مُوسَىٰ قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِّمِيقَاتِنَا ... أَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ ... ) فما هو السر في تقديم ما حقّه التأخير ؟
والجواب : إنّ تقطيع القصة الواحدة إلى قصص متعدّدة والانتقال من حديث إلى آخر لحكمة في ذلك غير عزيز ولا غريب في القرآن الكريم ، وليس القرآن كتاب قصّة حتى يعاب بالانتقال قبل تمامه ، وإنّما هو كتاب هداية ودلالة وحكمة ، يأخذ من القصص ما يهمّه (١).
وبعبارة اُخرى : إنّ العود إلى ذلك الجزء في آخر القصة بتفصيل وتبيين لأجل إظهار العناية به من جميع أجزاء القصة ، والله سبحانه ذكره في الأثناء بما أنّه جزء من القصة ، ولأجل حفظ التسلسل والترابط بين أجزائها ثمّ عاد إليه بعد الانتهاء من بيان
__________________
(١) الميزان : ج ٨ ، ص ٢٨٥.