الخطأ ونبّههم على الحق ، فلجّوا وتمادوا في لجاجهم وقالوا : « لابد ولن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة ». فأراد أن يسمعوا النص من عند الله باستحالة ذلك وهو قوله : « لن تراني » ليتيقّنوا وينزاح عنهم ما دخلهم من الشبهة ، فلذلك قال : ( رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ ).
فان قلت : فهلاّ قال « أَرهم ينظروا إليك » ، قلت لأنّ الله إنّما كلّم موسى عليهالسلام وهم يسمعون ، فلمّا سمعوا كلام ربّ العزّة أرادوا أن يرَ موسى ذاته فيبصرونه معه كما أسمعه كلامه فسمعوا منه ، إرادة مبنيّة على قياس فاسد (١). فلذلك قال موسى : ( أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ ).
ولأنّه إذا ضُجِر عمّا طلب ، وأنكر عليه مع كونه نبيّاً ، وقيل له « لن يكون » ذلك « كان غيره أولى بالإنكار ، ولأنّ الرسول إمام اُمّته فكان ما يخاطب به راجعاً إليهم أيضاً.
ثمّ إنّ قوله ( أَنظُرْ إِلَيْكَ ) صريح في التشبيه والتجسيم وجلّ موسى أن يكون مجسّماً أو مشبّهاً وهذا دليل على أنّه ذكر ذلك ترجمة من مقترحهم وحكايةً لقولهم وجَلّ صاحبُ الجمل من أن يجعل الله منظوراً إليه ، مقابلاً بحاسّة البصر ، فكيف بمن هو أعرف في معرفة الله من المتكلّمين والفلاسفة ؟
فان قلت : ما معنى « لن » ؟ قلت : « تأكيد النفي الذي تعطيه « لا » ، وذلك لأنّ « لا » تنفي المستقبل تقول : لا أفعل غداً ، وإذا أكدت نفيها قلت : لن أفعل غداً ، والمعنى أنّ فعله ينافي حالي كقوله : « لن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له » فقوله : ( لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ ) نفي للرؤية فيما يستقبل « ولن ترانى » تأكيد وبيان لأنّ الرؤية منافية لصفاته » (٢).
__________________
(١) وهذا القياس عبارة عن أنّهم كما سمعوا صوته عن طريق موسى ، يمكن لهم رؤية ذاته عن طريق رؤية موسى أيضاً قياساً فاسداً.
(٢) الكشّاف ـ تفسير سورة الاعراف ـ : ج ١ ، ص ٥٧٣ ـ ٥٧٤.