وهذا الجواب مبنيّ على وحدة السؤال بشهادة قوله : « فان قلت فهلاّ قال أرهم ينظروا إليك ... » فهذا يعرب عن أنّه لم يتقدّم سؤال من بني اسرائيل حول رؤية الله ، إذ لو تقدّم السؤال وترتب عليه نزول الصاعقة والرجفة ; لما كان هناك مورد للسؤال بقوله : « أَرهم ينظروا إليك » لمّا رأى أنّ طلب الرؤية لهم استعقب نزول العذاب ، ولم يبق إلاّ السؤال لنفسه نيابة عنهم حتى يترتب عليه أحد الأمرين أمّا الرؤية أو الردّ ويتمّ الحجة على القوم ، وإن كان القوم لا يأملون إلاّ الشقّ الأوّل.
وعلى كل تقدير سواء كان هناك سؤالان أم كان سؤال واحد فليس في سؤال موسى دلالة على امكان الرؤية بعد كون سؤاله لأجل قومه وإثر إصرارهم والحاحهم.
ثمّ إنّ الأشاعرة استدلّت بقوله سبحانه : ( رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ ) من جهة اُخرى قالوا : « إنّه تعالى علّق الرؤية على استقرار الجبل وهو أمر ممكن في نفسه ، والمعلّق على الممكن ممكن ، لأنّ معنى التعليق أنّ المعلّق يقع على تقدير وقوع المعلّق عليه ، والمحال في نفسه لا يقع على شيء من التقادير.
والجواب : إنّ الاستدلال مبني على أن يكون المراد من قوله : ( فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ ) هو امكان الاستقرار ولا شك انّه أمر ممكن ، والمعلّق على الأمر الممكن أيضاً ممكن.
ولكن الظاهر أنّ المراد هو استقراره بعد التجلّي والمفروض انّه لم يستقر بعد ذلك بدليل قوله سبحانه : ( جَعَلَهُ دَكًّا ) وهذا نظير قولك : « أنا أعطيك هذا الكتاب إن صلّيت » فالمراد هو قيام المخاطب بها بالفعل ، لا امكان قيامه.
وهذا الاستدلال من الأشاعرة من غرائب الاستدلال.