الأوّل : ما نسبه إليه خصمهم أبو الحسن الأشعري من انّ الله عالم ، قادر ، حي بنفسه ، لا بعلم وقدرة وحياة (١).
ومعنى هذا انّه ليس هناك حقيقة العلم والقدرة والحياة ، غير أنّ الآثار المترقّبة من الصفات مترتبة على الذات ، مثلاً خاصية العلم اتقان الفعل وهي تترتب على نفس ذاته بلا وجود وصف العلم فيه وقد اشتهر بينهم : « خذ الغايات واترك المبادئ » ، وهذا النظر ينسب إلى أبي علي وأبي هاشم الجبائيين ، وهؤلاء هم المعروفون بنفاة الصفات ، ولا يخفى إنّ هذه النظرية لا يناسب ما تضافر عليه الكتاب من اثبات هذه الصفات عليه سبحانه بوضوح ، كما تصادمه البراهين الفلسفية من انّه لا يشذ عن حيطة وجوده أي كمال وانّه بسيط الحقيقة مع كونه جامعاً لكلّ الكمالات وأصحاب تلك النظرية وإن صاروا إليها لأجل حفظ التوحيد والتحرّز عن تعدد القدماء ، لكن عملهم هذا أشبه بعمل الهارب من المطر إلى الميزاب. أو من الرمضاء إلى النار ، أفيصح في منطق العقل إنكار هذه الكمالات لله سبحانه بحجّة انّ اثباتها يستلزم التركيب ؟ فلو كان أصحاب تلك النظرية غير قادرين على الجمع بين بساطة الذات واثبات الصفات كان اللازم عليهم الأخذ بالواضح المعلوم وهو كونه سبحانه عالماً قادراً حيّاً والسكوت عن كيفيّة اثباتها وإمرارها عليه ، واحالة العلم بكيفيتهما إلى الله سبحانه والراسخين في العلم.
الثاني : ما نقل عن أبي الهذيل العلاّف المعتزلي ، فقد ذهب إلى ما ذهبت إليه الاماميّة تبعاً لإمامهم سيد الموحّدين علي بن أبي طالب عليهالسلام فأثبت إنّ لله علماً وقدرة وحياة حقيقية ولكنّها في مقام التحقق والعينيّة نفس ذاته ، وإليك نص عبارته :
« هو عالم بعلم هو هو ، هو قادر بقدرة هي هو ، هو حي بحياة هي هو ، ـ إلى أن قال ـ إذا قلت : إنّ الله عالم ، أثبتّ له علماً هو الله ونفيت عن الله جهلاً ، ودللت على معلوم كان أو يكون ، وإذا قلت : قادر نفيت عن الله عجزاً ، وأثبتّ له
__________________
(١) مقالات الاسلاميين ج ١ ص ٢٢٤.