والجواب : إنّ هذه الروايات وإن كانت صريحة في كون إرادته سبحانه فعله ، لكنّها ليست بصدد سلب كون الإرادة صفة الذات حتّى بالمعنى المناسب لذاته عنه على الاطلاق ، وانما هي بصدد أنّ الإرادة الإمكانية الموجودة في الإنسان لا تصلح لذاته سبحانه لأنّها تقترن بالتردّد والتروّي والتفكّر والهمّ والكلّ من سمات الامكان والحدوث وهو سبحانه منزّه عن ذلك.
وفرق بين نفي أصل الإرادة عن ذاته سبحانه ، ولو بمعنى غير مستلزم لكون ذاته معرضاً للحوادث ، والإرادة الموجودة في الإنسان والحيوان وبما أنّه كلّما أطلقت الإرادة لا يراد منها سوى المعنى المتعارف من التفكّر والهم ّوالقصد ، وصرّح الإمام بنفي الإرادة بذلك المعنى عن ذاته وارجاعها فيه سبحانه إلى صفة الفعل ، حتّى يصدر السائل عن حضوره بشيء مقنع وبما أنّ عقليّة بعض الرواة في ذلك العصر لا تتحمّل كثيراً من المعارف الدقيقة اقتنع الامام بتفهيم ما تتحمله عقليته ، وبما أنّ قسماً من الإرادة صفة للفعل ، وقسم منها صفة للذات كعلمه سبحانه ، فإنّ قسماً منه صفة للفعل ، وقسم منه صفة للذات ، اكتفى الامام ببيان أحد القسمين دون الآخر.
وهذا أصل مطرّد في باب المعارف ، فهم صلوات الله عليهم يكلّّمون الناس على قدر عقولهم ولا يكلّّفونهم بما هو خارج عن طاقة شعورهم.
هذا هو سيد الموحّدين علي عليهالسلام ينهي عن الغور في القدر ويقول :
« طريق مظلم فلا تسلكوه ، وبحر عميق فلا تلجوه ، وسر الله فلا تتكلّفوه » (١).
ومع ذلك فهو صلوات الله عليه بحث عن القضاء والقدر ويشهد لذلك ما رواه الرضي في نفس نهج البلاغه (٢).
__________________
(١) نهج البلاغة قسم الحكم الرقم ٢٨٧.
(٢) نهج البلاغة قسم الحكم الرقم ٧٨.