إنّما الكلام في اثبات الحدوث الزماني لمجموع العالم إذا أخذ صفقة واحدة ولوحظ شيئاً واحداً ، فإنّ اثبات الحدوث الزماني أمر لا يخلو من خفاء وذلك ببيانين :
١ ـ إنّ الزمان مقدار الحركة ، وكلّّ حركه تعانق زماناً ما يعدّ مقداراً لها ، وليس في العالم زمان واحد يتولّد من حركة الفلك أو الشمس والقمر بل كلّّ حركة مولد زماناً فيكون ذلك الزمان مقداراً لها كما حقّق في محلّه ، فإذا كان الزمان وليد الحركة ونتيجة سيلان المادّة إلى الغاية فكيف يمكن أن نقول بأنّه كان وقت حقيقي لم يكن العالم فيه ثمّ حدث ووجد ؟ لأنّ المفروض انّ هذا الوقت نتيجة حركة المادة التي لم تخلق بعد ، فلا يتصوّر شيء بمعنى الوقت والزمان قبل إيجاد العالم حتّى يتضمّن عدمه.
٢ ـ إنّه ينقل الكلام إلى نفس الزمان فهل هو حادث ذاتي وقديم زماناً أو لا ؟
فعلى الأوّل يجب الاعتراف بممكن حادث ذاتاً وقديم زماناً ، فلو كان القول بالقدم الزماني مقبولاً فيه فليكن مقبولاً في مجموع العالم إذا لوحظ شيئاً واحداً أو في الجزء الأوّل منه. وعلى الثاني يلزم أن يكون للزمان زمان حتّى يتضمّن الزمان الثاني عدم الزمان الأوّل في حاقّه ، وعندئذ إمّا يتوقّف تسلسل الزمان فيلزم كون الزمان الثاني قديماً زمانيّاً وإن لم يتوّقف يلزم التسلسل.
فلأجل هذين الوجهين يعسر التصديق بالحدوث الزماني لمجموع العالم ويكتفى بالحدوث الذاتي ، ثم إنّ الداعي إلى ذهابهم إلى الحدوث الزماني للعالم كلّّه أمران :
أ : التركيز على التوحيد ، وإنّه لا قديم سواه وإنّ كلّ ما في الكون فهو حادث زماني مسبوق بعدم زماني حقيقي ، فحصر القديم في الله سبحانه يصدّهم عن الاعتراف بقدم العالم زماناً والاكتفاء بالحدوث الذاتي.