وهكذا كانت دعوته بسيطة بساطة العقيدة التوحيدية في طبيعتها ونهجها وإيحاءاتها وصفاء النور المشرق في داخل مفاهيمها ، وكانت إرادته الرسالية في دعوته التغييرية أقوى من كل الضغوط الداخلية التي تضغط على مشاعره ، والضغوط الخارجية التي تضغط على حريته في حركته. فلم يسقط أمام كل القوى الطاغية ، بل حاول أن يفتح عقولها على الحق من دون أن ينفذ اليأس إلى قلبه ، لأنه كان يرى من مسئولية الداعية أن يتحرك في اتجاه المواقف العنيدة المتحجرة ليفتح ثغرة في داخلها هنا وثغرة هناك ، لأن النفس الإنسانية مهما تحجرت فإنها تبقى قريبة للكلمة الحانية والأسلوب الجميل والروح الرسالية الواعية في دائرة أفكارها ومشاعرها ، فإنه ما من إنسان إلّا وفي داخله بعض مواقع الصفاء ومنطلقات الخير التي يمكن للداعية أن يستثيرها وينفذ منها ليبعث الإيمان في القلب ، والتقوى في الموقف.
* * *
دعوة لتدمير المجتمع المتمرّد
وهكذا كانت تجربة نوح ـ النبي ـ من التجارب الفريدة في تاريخ النبوّات ، فقد كانت كلمات الرسالة كلمات محدودة في ما حدثنا الله عن عناوينها ، لأن الحياة ـ كما يبدو ـ لم تكن معقّدة آنذاك ، فلم تكن بحاجة إلى شريعة تفصيلية واسعة. وكان يكرّر الكلمات في أسلوب متنوّع من دون ملل ولا كلل ، وكانوا يكرّرون الرفض في أسلوب واحد. وكان ينتهز كل فرصة ليدخل معهم في حوار ، وكانوا يرفضون ذلك ، حتى أنهم كانوا يضعون أصابعهم في آذانهم ، ويغطون وجوههم ، ويعلنون الإصرار على موقفهم المتمرّد ، للإيحاء له بأنهم ليسوا مستعدين لاحترام موقعه وموقفه معهم ، فضلا