أعطيته لهم كثيرا ، في إحساس بالعجب في داخل الذات ، وبالإذلال للناس ، بل لا بد لك من الشعور بأن ذلك كلّه يمثّل مسئوليتك التي حمّلك الله إياها في ما أولاك من نعمه ، باعتبار أن ذلك من حقّ الله عليك الذي لا بدّ لك من أن تقوم به طلبا لرضاه وشكرا لنعمه ، وأنه من حق الناس عليك ، أمرك الله بأدائه إلى كل من يحتاج الهداية والرعاية والعناية ، وبذلك لا يبقى هناك معنى للمنّ ، ما دام ذلك هبة من الله ، ولا معنى للاستكثار ، لأن الله يريد للإنسان أن لا يخرج نفسه من حدّ التقصير ، فلا يبلغ درجة إلّا ويحاول أن يرتفع إلى ما هو أعلى منها ، ولا يقوم بعطاء إلا ويجد من نفسه ضرورة التوفّر على عطاء أكثر منه.
* * *
ولربك فاصبر
(وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ) فسوف تلاقي الكثير من تكذيب المكذبين وتعنّت الكافرين ، واستكبار المستكبرين ، وسخرية الساخرين ، واضطهاد الظالمين ، وسوف تواجه الضغوط العنيفة التي يضغطها كل هؤلاء في وجهك ، كما تلتقي بالحواجز التي ينصبها المضللون في طريقك ، فلا بدّ لك أن تصبر لحساب ربك ، لا لحساب ذاتك ، لأنك لا تعمل لذاتك ولا تواجه الاضطهاد من خلالها ، بل تعمل لله في الدعوة إلى دينه والجهاد في سبيله ، وفي هذه الحالة فإنهم لا يكذّبونك ، ولكنهم يكذّبون الله ، ولا يسخرون منك بل يسخرون من وحي الله ، لذا لا تضعف أمام نوازع الضعف التي يثيرونها في داخل ذاتك ، بل حاول أن تضغط على أعصابك ، وأن تثبّت مشاعرك ، فتتحمل الحرمان والتشريد والألم القاسي والتهديد بالقتل ونحوه في عمق المضمون الروحي للصبر ، طلبا لمرضاة الله ، وذلك هو سرّ القوة التي يمنحها الله من خلال الصبر لرسله وللدعاة إلى دينه.
* * *