مكروا ليضلّوا الناس
(وَمَكَرُوا مَكْراً كُبَّاراً) وبدأوا يخططون بكل ما لديهم من أساليب شيطانية للإجهاز على الرسالة وصاحبها ، وأثاروا الكثير من التهاويل حولها ، وامتدت الحيل والمؤامرات لتحاصر كل وجودها ، لأنهم شعروا بالمنطق الإيماني يمتدّ إلى عقول الناس البسطاء الطيبين ، فأرادوا بالمكر الكبير جدا أن يعطّلوا ذلك الامتداد ، ويبطلوا تأثيره على صعيد الواقع الجديد. وكان من تلك الأساليب محاولة الإثارة العاطفية التي تستثيرهم للدفاع عن أصنامهم التي ارتبطوا بها بوحي الألفة والعادة ، لأنهم عاشوا طفولتهم في رحاب عبادتهم إيّاها ، وخضوعهم لها ، (وَقالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ) التي تمثل الآلهة الكبار التي هي في موقع الأهمية الكبيرة ، (وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُواعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً) وقيل : إن هذه الخمسة ظلت تعبد إلى عهد النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وأن ودّا كان لقبيلة كلب ، وسواعا لهذيل ، ويغوث لغطيف ، ويعوق لهمدان ، ونسرا لحمير ، بالإضافة إلى ما استحدثوه من هبل واللّات ومناة والعزى.
وهكذا كان أسلوبهم العاطفي يستهدف الوقوف ضد الأسلوب التأمّلي الهادىء المتوازن الذي كان نوح يطرحه على هؤلاء لينطلقوا في أوضاعهم الفكرية والعملية ، في محاكمة عقليّة واعية ، من أجل تصحيح الخط المنحرف في حياتهم ، وتقويم العادات العوجاء في تاريخهم ، كما هي قضية الرسالات الإلهية التي تريد أن تقود الإنسان إلى مصيره من خلال مسئوليته عما يفكر ويعمل بعيدا عن تفكير الآخرين وسلوكهم ، لأن المسؤولية في دائرة الإيمان فردية (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) [الأنعام : ١٦٤] ، ولا يكسب الإنسان عمل غيره ، إلّا من الناحية التي يمثل فيها مقدّمة لعمل الآخرين ، ولم تكن مشكلة نوح هؤلاء الرؤساء المترفين عند أنفسهم ، بل كانت المشكلة هي وقوفهم حجر