من النماذج القلقة في خط الانحراف
وهذا نموذج آخر من نماذج الناس الذين يستغرقون في المال الذي يملكونه ، فينسيهم ذلك المعاني الإنسانية والمنطلقات الروحية التي تربط الإنسان بالجانب الخيّر من الحياة ، ويدفعهم إلى المزيد من الطغيان المادي والبخل الذاتي ، وإلى الأمل الكبير بالامتداد في ما هم عليه. ولكن الله يفاجئهم بالصدمة الكبيرة التي تقضي على كل الأمل من خلال القضاء على كل ما لديهم من مال ، فتدفعهم الصدمة إلى التفكير بطريقة أخرى بعد فوات الأوان.
(إِنَّا بَلَوْناهُمْ) أي هؤلاء الذين وصفهم الله بالصفات الشريرة التي كانت تطبع كل شخصياتهم المنحرفة ، فقد كان المال الذي أعطاهم الله إيّاه اختبارا لهم ، كيف يتعاملون معه ، وهل أن المال يلغي إنسانيتهم بزخارفه وإيحاءاته المغرية ، أو أن الإنسانية المنطلقة من موقع القيم الروحية المنفتحة على الله من جهة وعلى الإنسان المحروم من جهة أخرى ، هي التي تنتصر على إغراءات المال وتهاويله. وقد سقطوا في هذا الاختبار ، فتغلّب عنصر المال لديهم على عنصر الإنسان في داخلهم ، كما سقط غيرهم في ذلك ، (كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ) التي كانوا يملكونها ويعتزون بها ويعتبرونها الأساس في إغناء حاجاتهم الحياتية وفي تلبية أوضاعهم الاجتماعية ، ولذلك كانوا يتعهدونها بكل الوسائل التي تتوفر لديهم في المحافظة عليها من كل سوء ، كما كانوا يبادرون إلى قطف ثمارها عند نضوجها بحيث لا يفوتهم شيء منها ، ولا يسمحون لأيّ شخص من الانتفاع بها ، وهكذا رأيناهم في هذه الصورة القرآنية (إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ) أي ليقطعنّ ثمارها في بدايات الصباح قبل أن يراهم أحد.
(وَلا يَسْتَثْنُونَ) في ما قد يحدث من بعض الطوارئ التي تمنعهم من