قيام الليل تمهيدا للمواجهة
(يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ) التزمّل هو التلفّف بثوب في حالة النوم ونحوه ، وهو كناية عن القعود والاسترخاء في أجواء الوضع الذاتي الذي يدفع الإنسان للاتقاء من الحر أو البرد ، وللسكون في مواقعه حذرا مما قد يحدث له من مشاكل وأحداث. وقد جاء هذا النداء ، وما يتبعه من الخطاب ، في بداية الوحي للإيحاء للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بأن الوقت قد حان للانطلاق بعيدا عن مواقع الهدوء في الحركة أو الإخلاد للراحة ، لأن الرسالة تفرض الدخول إلى ساحة المواجهة في خط الصراع مع المشركين.
(قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً* نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً) في عبادة الله التي تعيش هدوء الليل الساجي الذي تصفو فيه الروح ، ويرقّ القلب ، ويشرق الفكر ، ويتروّح الإحساس ، فترتفع الروح إلى الله في لقاء روحيّ خاشع يشد الإنسان إلى ربّه ، فيلتقي بمواقع رحمته ومواضع رضاه ، وينفتح على الإحساس بالقوّة بفضل الارتباط بالله صاحب القوّة المطلقة التي هي من صفات الله ، وهذا ما يشعر كل المتعبدين له ، والخاشعين له ، والمرتبطين بمواقع القرب في دينه ، بأنهم في مركز القوّة الكبير لاعتمادهم على مصدر القوّة لكل شيء يوحي بالقوّة في الدنيا على مستوى الوجود كله.
وقد كانت المهمة أن يقوم نصف الليل على أن تكون كلمة (نِصْفَهُ) بدلا من الليل ، أو ينقص منه شيئا ، تبعا للحالة الصحية أو نحوها التي تفرض عليه الحاجة إلى الراحة بالنوم وغيره ، (أَوْ زِدْ عَلَيْهِ) إذا وجد نشاطا في جسده ، وعزيمة قويّة في روحه ليتجاوز نصف الليل في حركة العبادة ، لأن الله يريد للإنسان أن يعبده في نشاط الجسد وإقبال القلب وحيويّة الروح ، حتى لا تتحوّل العبادة إلى عبء ثقيل متعب ، أو حالة جامدة لا تتجاوب الروح معها ، ولعلّ هذا ما جعل المسألة تقف عند نصف الليل أو تنقص منه ، أو تتجاوزه.