هيكل عظميّ متماسك ، ثم لتكتسي باللحم ، ثم لتدب فيها الحياة بعد أن تأخذ صورتها الإنسانية الطبيعية ، ولكن لماذا يجد الإنسان صعوبة في هذا التصوّر؟ ولماذا يسارع إلى الإنكار؟ فما عليه إلا أن يدقق في روعة الإبداع في خلق أعضاء جسده ، ليعرف أن الله القادر على أن يبدع ما هو أكثر خطورة ، وأشدّ صعوبة ، بحسب طبيعته ، قادر على خلق غيره ، لأنه الأسهل والأقل خطورة ... (بَلى) إن الله الخالق يؤكد القدرة على جمع عظامه لقدرته على ما هو أكبر من ذلك ... (قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ).
* * *
لماذا التركيز على البنان كمظهر للقدرة؟
وقد ذكر بعض المفسرين أن مسألة الحديث عن تسوية البنان ، كناية عن إعادة التكوين الإنساني بأدقّ ما فيه ، وإكماله بحيث لا تضيع منه بنان ولا تختل عن مكانها ، بل تسوّى تسوية لا ينقص معها عضو ، ولا شكل هذا العضو ، مهما صغر ودقّ (١).
ولكننا نلاحظ على هذا التفسير بأن استبعاد هذا الإنسان جمع العظام سوف يستتبعه استبعاد جمع الأشياء الدقيقة في نطاق إعادة التكوين الإنساني ، فتكون الآية الثانية مجرد تأكيد للموضوع الذي ينفيه الإنسان الكافر بالآخرة من دون إضافة أيّ دليل ، لتبقى المسألة في دائرة الإيحاء بالفكرة لا في دائرة الاستدلال عليها.
وهناك تفسير آخر وهو : «والمعنى : بلى نجمعها ، والحال أنّا قادرون
__________________
(١) قطب ، سيد ، في ظلال القرآن ، دار إحياء التراث العربي ، ط : ٥ ، ١٣٨٦ ه ـ ١٩٦٧ م ، م : ٨ ، ص : ٣٨٠.