(فَتابَ عَلَيْكُمْ) : توبة الله على العبد انعطافه بالرحمة عليه.
* * *
الله يخفّف عن رسوله والمؤمنين معه قيام اللّيل
لقد دلت السورة في صدرها على صلاة الليل ، كفريضة لازمة على النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وعلى من معه من المؤمنين ، وقد دأب النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ومن معه على القيام بها ، وكانوا يلاقون من ذلك عناء شديدا لأنهم كانوا يبغون الدقة في التوقيت ، بما لم يكن متيسرا لهم ، حتى أن بعضهم كان يقوم الليل كله ليبلغ الوقت المحدّد ، فأنزل الله هذه الآية حسبما تتحدث به بعض الروايات في أسباب النزول ، ليخفف عنهم ثقلها وليجعلهم في حلّ من الإلزام ، فتكون مستحبّة بشكل خفيف ، مما يجعل من هذه الآية ـ كما يذكر البعض ـ نسخا للآية المتقدمة في صدر السورة.
(إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى) أي أقرب وأقل (مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ) ، أي أنك تقوم في بعض الليالي قريبا من الثلثين ، وفي بعضها قريبا من نصف الليل ، وفي بعضها قريبا من ثلثه ، (وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ) من المؤمنين الذين يسيرون في ضوء هداك ، فقد كنتم موضع عناية الله وقبوله ، لأنكم من العباد الصالحين الذين يتركون النوم والراحة والاسترخاء ، ويعانون الجهد البدني والروحي ، ليقفوا بين يدي الله في خشوع العابد ، وخضوع العبد ، وروحية التقوى ... وقد رأى الله في مواقع علمه المنفتح على رحمته كل هذا العناء والثقل ، فأراد أن يخفّف عنكم هذا العبء الثقيل من الإلزام ، (وَاللهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ) في حساباته الدقيقة للنظام الذي يحكمها في طول هذا ، وقصر ذاك ، في عملية تبادليّة متحركة ، وهو وحده المطّلع على الدقة في الحركة والتقدير ، (عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ) أي لن تستطيعوا تحديد الوقت بدقة ، (فَتابَ عَلَيْكُمْ) أي خفف