ولكن قد يلاحظ على ذلك بأن المسألة عند ما تكون مع غير الله ، فهناك مجال للحديث عن نفي المنّة في أجره ، ولكن عند ما تكون المسألة في ما يمنحه الله من أجر ، فإن الله يملك المنّة على كل خلقه ، لأنه يملكهم ويملك أعمالهم ، فليس لهم من ذلك شيء ، بل هو تفضّل منه ـ تعالى ـ عليهم ، وربما كانت الكلمة بهذا المعنى واردة على سبيل الكناية باعتبار ما تختزنه من معنى الثقل والإذلال ، ليكون المقصود هو أن هذا الأجر الذي يمنحه الله لا يحمل أيّ معنى من المعاني التي قد تثقل على شعوره ، بل ينساب تأثيره في إحساسه انسياب الفرح الروحي في الأعماق.
* * *
إنك لعلى خلق عظيم
(وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) في رحابة صدرك ، ورأفة قلبك ، ورحمة إحساسك ، ولين كلامك ، ورقة شعورك ، وحرصك على من حولك ، وحزنك على كل الآلام التي تعرض لهم ، وانفتاحك على كل الناس ، من أصدقاء وأعداء ، بالكلمة التي هي أحسن ، والأسلوب الذي هو أفضل ، والنصيحة التي هي أقوم ، والبسمة التي هي أحلى ، والعطيّة التي هي أغلى ، والروح التي هي أصفى ، والقلب الذي هو أنقى ، والقوّة في غير قسوة ، والرفق في غير ضعف ، والصبر في غير خوف ، والتواضع في غير ذل ، والعزة في غير كبر .. وهكذا كان الرسول الذي تتحرك أخلاقه في عمق رسالته ، وتنطلق إنسانيته في ساحة مسئوليته ، وتلتقي شخصيته بكل الآفاق الرحبة في أبعاد حركته.
وبهذا كان التجسيد الحي لكل أخلاقية الرسالة ، حتى تحول إلى قرآن يتحرك بين الناس ، ليقدم الفكرة بالكلمة ، ويعمق الكلمة بالقدوة ، فكانت