عاد وثمود تكذبان بالقارعة
(كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعادٌ بِالْقارِعَةِ) وهذا هو الاسم الآخر ليوم القيامة ، ولكن من جانب آخر ، فهي ـ كما قيل ـ تقرع وتدكّ السماوات والأرض بتبديلها ، والجبال بتسييرها ، والشمس بتكويرها ، والقمر بخسفه ، والكواكب بنثرها ، والأشياء كلها بقهرها على ما نطقت به الآيات. وربما أريد من معناها أنها تقرع السمع والقلب بأهوالها التي تجعلهما يرتجفان في أجواء الرعب والهلع ، كما تقرعهما عند ما يتذكران تأثيرها على الحياة العملية ، ولعلّ هذا أقرب من المعنى الأول ، لأن التعبير موجّه ـ على الظاهر ـ للإنسان في تأثيره على مشاعره في حركته في الحياة.
ولكن هذه القارعة كانت محل تكذيب من بعض الأمم السابقة كعاد وثمود ، لأنها لم تتوفّر على التأمل في طبيعة الموقف ، وفي احتمالاته ، وهل هو ممكن بذاته أم لا ، هذا فضلا عن التأمل في طبيعة المعطيات التي تؤكده في ما تثيره من نفي عبثية الخلق ، لتوحي بأن الجدّية هي في المسؤولية عن أعمالهم الخيّرة والشريرة. وهكذا كانت الغفلة المطبقة على عقولهم بفعل الاستغراق في خصوصياتهم التي دفعتهم إلى التكذيب السريع ، لأنهم لا يريدون أن يخرجوا من عاداتهم وتقاليدهم ، ولا يوافقون على إتعاب أنفسهم في البحث والتحليل ، بل يريدون للحياة أن تستمر في امتدادها على الطريقة التي كانت عليها في عصور أجدادهم من دون تغيير أو تبديل.
ولم يتركهم الله لتكذيبهم ، لأن ذلك قد يترك تأثيره على الحياة عند ما يمتدّون في السيطرة عليها ، ليمنعوا الناس من الإيمان من خلال تعاظم قوتهم في الضغط على من حولهم ، وهكذا أنزل الله عليهم العذاب.
* * *