الناس الذين يرفضون أيّة تذكرة تنقذهم منها. هل هي الألفة التي عاشوها في داخلهم لعقائدهم الضالّة ، فلا يطيقون الابتعاد عنها ، أو هي الامتيازات الذاتية أو الطبقية التي حصلوا عليها في مواقعهم الاجتماعية ، فيخافون من زوالها إذا انفتحوا على الإيمان بالله ، أو هي حالة التخلّف الفكري والانحطاط الروحي اللذين يمنعانهم من الدخول في حالة الوعي الجديدة ، المنفتحة على المسؤولية الفكرية والروحية في مضمون الرسالة الجديدة ، فلا يجدون أمامهم إلا النوافذ المغلقة.
إنها مشكلة الإنسان البعيد عن الحق في كل زمان ومكان.
* * *
فرار المشركين من الهدى
(كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ) أرأيت الحمر الوحشية التي تعيش حالة الاستنفار والذعر التي تدفعها إلى الهرب ، (فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ) وهو الأسد الذي يلاحقها ليفترسها. إن حالة المشركين شبيهة بحال هؤلاء في فرارهم من الرسول وهو يدعوهم إلى الهدى ، إذ يخيل إليهم أنه يهجم عليهم ليفترس أفكارهم الضالّة ، وتقاليدهم البالية ، فيهربون من بين يديه ، خوفا من أن ينفذ إلى قناعاتهم فينزع عنها كل تلك الأغشية الجاهلية التي كانت تحجب نور الحقيقة عنهم.
(بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً) أي أن المسألة قد لا تكون مسألة غفلة أو خوف ونفرة ، بل هي حالة الاستكبار الذي يعيشونه في شخصياتهم ، فيخيّل إليهم أن مستواهم ليس هو مستوى الناس الذين يرسل الله إليهم رسولا لا يملك المستوى الذي يملكونه في الوسط الاجتماعي ، بل لا بد من أن ينزل الله على كل واحد منهم كتابا سماويا خاصا به ليتناسب ذلك مع طموحاتهم الذاتية.