بل هي قضية موقف ثابت حاسم ، والمقصود بالذنب الذي يدعوهم إلى الاستغفار منه ، هو الكفر أو الشرك وما يتفرع عنهما على صعيد الأعمال التي تبتعد عن مواقع رضى الله.
(يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً) أي ينزل عليكم المطر الغزير من السحاب المرتفع في الفضاء الأعلى ، (وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ) لأنه مصدر الرزق كله ، ومصدر الخلق كله ، (وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ) في ما تمتد بها الخضرة الحافلة بألوان الزرع من فاكهة وثمار وعشب ونحو ذلك ، (وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهاراً) تجري في الأرض من الينابيع التي أودعها الله في أعماقها أو من الثلوج التي جعلها الله في أعالي الجبال ، فتبدع الخصب والرخاء وتحيي الأرض بعد موتها.
* * *
العلاقة بين الإيمان وإنزال هذه النعم!
ولعلّ هذا الربط بين الإيمان الذي يعبّر عنه الاستغفار ، وبين إنزال الله هذه النعم التي تمثل حاجاتهم الحيوية العامة ، ناشئ من أنّ الإيمان الخالص يجعل الناس موضع رحمة الله في ما ينزله عليهم من ألطافه وفيوضاته ، مما قد يزيد من حجمها وامتدادها. كما أنّ الانحراف عن الله قد يجعل القضية في دائرة البلاء الذي قد يقلّل من نعم الله ، ويؤدي إلى فساد الواقع في حياة الإنسان ، وبذلك فإن نوحا عليهالسلام ربما كان يريد أن يثير في نفوس قومه قيمة العلاقة بالله من موقع الإيمان به في حياة الناس العامة على مستوى النعم التي يحتاجونها. وربما كان الأساس في ذلك هو الإيحاء لهؤلاء الناس الكافرين بأن الله هو وحده المهيمن على الكون كله في ما يشتمل عليه من الظواهر المتصلة بالحياة الإنسانية ، ليرتبطوا به من موقع النعمة ، كما يرتبطون به من