حال الجنّ مع السماء
ويتابع هؤلاء النفر من الجن حديثهم عن أوضاعهم التي كانوا عليها وعن المتغيّرات الجديدة التي حدثت لهم بعد نزول الرسالة على النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، فيتحدثون عن عدم وجود أيّة مصادر للمعرفة الغيبيّة عندهم ، مما كان يعتقده فيهم الناس ، أو مما كان ينسبه الكهان إليهم ، ليرتبط الناس بهم لذلك من خلال ما يرونه فيهم ، أو يدّعونه لأنفسهم من الصلة بالجن أو في ما يوحي إليهم الجن من ذلك.
(وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّماءَ) كما كنا نلمسها سابقا عند ما نقترب منها لنستمع أخبار الملأ الأعلى ، من خلال ما أطلع الله سكانه عليه ، عما يمكن أن يحدث في الأرض مما قدّره الله فيها. فوجدنا الأمر قد تغير عما كنا عليه ، فلم يعد هناك مجال للاقتراب من آفاق السماء ، (فَوَجَدْناها مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً) يطردوننا عنها (وَشُهُباً) تلاحقنا لتحرقنا بنارها إذا فكرنا بالاقتراب منها ، (وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ) في ما مضى من الزمان (فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً) يمنعه من ذلك.
وقد يتحدث البعض أنّ الجن لم يتحدثوا عن تفاصيل ما يسمعونه ، فهل كانوا يعلمون الغيب بذلك في ما قد يطّلعون عليه من أخبار السماء؟ لعل المسألة كانت أصواتا يعتبرونها غيبا وما هي بالغيب ، لأن الله لم يطلع على غيبه أحدا. ولكن الظاهر من الآية أن المسألة تتصل بالمعلومات التي يمكن أن يطلعوا عليها في ما يمكن أن يفسر لهم بعض الأوضاع من خلال قدرتهم على الارتفاع بعيدا عن الأرض في ما يسمعونه من بعض أخبار السماء ، مما لا نعرف طبيعته وخصوصياته ، تماما كما هي المعلومات التي يعرفها بعض الناس الذين يملكون التجارب التي لا يملكها الآخرون ، مما لا يعتبر غيبا بالمستوى الذي ينفيه الله عن غيره ، والله العالم.