يريدون التحاور معك في هذا الهدف ، لعدم استطاعتهم دفع هذا الأجر ، فيهربون منك هربا من الغرم الذي قد يفرض عليهم ، (فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ) كما يفعل الناس مع كل الذين يكلّفونهم مالا يثقل عليهم دفعه ، فيواجهونه بالرفض بطريقة غير مباشرة.
(أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ) أي هل يملكون أمر الغيب في ما تختزنه من أوضاع المستقبل ، ليحددوا بذلك حدود قضايا المستقبل من خلال رؤيتهم خفاياه ، فهم يكتبون ذلك ويقررونه لينطلقوا إلى شاهد على ما يدّعونه ، تماما كما هم الأنبياء الذين يتحدثون عن الغيب النازل عليهم من الله. ولكن من أين لهم علم ذلك ، وأنّى لهم مثل هذه الدعوة الباطلة؟ (فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ) وتابع رسالتك ، ولا تستعجل الأمر ، فإن كثيرا من القضايا تحتاج إلى وقت طويل لتبلغ مداها ، لأن لها شروطا كثيرة في واقع الحياة التي تفرض لكل حادث مراحل متعددة في امتداد الزمن ، مما يفرض على الذين يتعاملون مع سنن الله في الكون من هذه القضايا ، أن ينتظروا الأسس الواقعية التي ترتكز عليها ، كما هو النبات في مواعيد ثمره ، وكما هو الإنسان في مدة حمله ، وكما هو الليل والنهار في مواعيدهما.
* * *
لا تستعجل النتائج
(وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ) الذي استعجل أمر ربه بعذاب قومه ، أو أنه استعجل الوصول إلى النتائج في حركة رسالته ، فلم يصبر ، بل امتلأ غيظا وحنقا من تكذيب قومه ، (إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ) في ما يشبه المختنق الذي يتجرع الغيظ ولا يستطيع أن يجد له متنفسا ، (لَوْ لا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ) وهو قبول الله