السور المكية بصور النّعم الحسية والعذاب الغليظ ، بأن ذلك وارد في سورتي الحج والرحمن اللتين هما مدنيتان ، فقد اشتملتا على الصور الحسية للنعيم وللعذاب بأكثر مما في هذه السورة.
وعلّق على مسألة أمر النبي بالصبر وعدم إطاعة الآثم والكفور وعدم المداهنة والثبات على الحق ، بأن ذلك قد جاء في الفصل الثاني من السورة الذي يمكن أن يكون مكيا ، لأن الروايات الكثيرة دلّت على أن الفصل الأول من السورة كان مدنيا ، فلا منافاة. كما أنّ الأمر بالصبر وعدم إطاعة الآثم والكفور ليس من اختصاص السور المكية ، فهناك نماذج من ذلك في السور المدنية (١).
وقد وردت هناك روايات أخرى أكدت ، بما لا يقبل الشك ، بأن الآيات الواردة في الفصل الأول من السورة ، نزلت في المدينة ، كما نشير إلى ذلك في ما يأتي من حديث التفسير.
* * *
في أجواء السورة
وفي هذه السورة حديث عن بداية الإنسان الذي لم يكن شيئا مذكورا ، فقد مضى عليه مدة طويلة وهو في قلب العدم ، ثم دخل في عمق الوجود بإرادة الله الذي أراد للنطفة أن تحمل سرّ الحياة التي تنمو لتدخل في الصورة التي تتميّز بالانفتاح على الكون بالسمع والبصر. وكان له عقله الذي يدرك حقيقة الأشياء ، وإرادته التي تتميز بالانتماء إلى الخط المستقيم في شكر الله ، أو الخط المنحرف في الكفر به ، لأن الطريق مفتوحة على الخطين.
__________________
(١) انظر : تفسير الميزان ، ج : ٢٠ ، ص : ١٤٨.