المؤمن الصبر على الإساءة إليها ، لأن الإنسان لن يكون أكثر اهتماما من الله برسالته ، في ما يريد أن يأخذ به المتمردين من عقابه ، فقد يأتيهم العذاب من حيث لا يحتسبون.
* * *
الخروج عن المألوف ليس خروجا عن الحقيقة
(وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ) أي ينظرون إليك نظر الذي يريد أن يصرعك ببصره ، في ما كانوا يعتقدونه بأن العين تقتل الذي تصيبه ، أو أنهم يحدّقون بك تحديقة الحقد الذي يشتعل في عيونهم حتى يخيّل إليهم أنهم سيحرقونك به ، أو أنهم ينظرون إليك كما ينظر الإنسان إلى المجنون في حالة نفسيّة توحي بالخوف منه ، والاستعداد للانقضاض عليه إذا بدرت منه أيّة حركة (لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ) الذي جاءهم بما لم يعهدوه من الأفكار والأجواء والمواقف ، فكانوا يثيرون القضية كعادتهم في كل كلام خارج عن المألوف ، مما يسمعونه من أيّ شخص ، فيعتبرونه جنونا ، لأنه كلام لا يصدر عن الناس العقلاء الذين تتحرك عقولهم في دائرة المألوف المعروف لدى المجتمع ، (وَيَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ) وقد ذكر صاحب الميزان أن «رميهم له بالجنون عند ما سمعوا الذكر دليل على أن مرادهم به رمي القرآن بأنه من إلقاء الشياطين ، ولذا ردّ قولهم بأن القرآن ليس إلا ذكرا للعالمين» (١).
ونلاحظ أن هذا الاحتمال غير ظاهر ، لأن المسألة قد تكون في دائرة الاحتمال الذي ذكرناه ، كما أن إلقاء الشياطين له لا يعني جنونه ، إذ لم يكن الكلام يوحي بالذهنية الجنونية في طبيعته ، مما يجعلنا نفهم منه التأكيد على
__________________
(١) تفسير الميزان ، ج : ١٩ ، ص : ٤٠٥.