الدِّماءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ) [البقرة : ٣٠] ، باعتبار أن الملائكة لا يطرحون مثل هذا السؤال إلّا من خلال التجربة السابقة التي عاشوها في الماضي ، أو أن الأرض لم تكن تحتوي أيّ خلق آخر ... وقد لا تكون الآية واردة لإثارة التفكير حول تلك الفترة الخالية من الإنسان ، بل ربما كانت لإثارة التفكير حول هذه الفترة التي تحوّل فيها الإنسان إلى وجود حيّ مذكور متحرّك في خط المسؤولية ، مسلح بالعلم والحركة الخيّرة والعمل المسؤول ، ليجعل الكون أكثر غنى بالتجربة الإنسانية ، بدلا من أن يكون متخبطا في المشاكل إذا ابتعد عن الصراط المستقيم.
وقد فسر البعض كلمة «هل» ب «قد» لأنها أحد معانيها ، ولكننا نجد أن الأقرب إبقاء دلالة «هل» على الاستفهام التقريريّ ، لأنها قد تكون أبلغ من الناحية التعبيرية.
* * *
تطور خلق الإنسان
(إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشاجٍ) أي أخلاط ، بمعنى أنها مختلطة ممتزجة باعتبار امتزاج ماء الرجل ببويضة المرأة في عملية التلقيح ، (نَبْتَلِيهِ) أي ننقله من حال إلى حال ومن طور إلى طور ، حيث يجري التحوّل من النطفة إلى العقلة إلى المضغة التي تتحول إلى إنسان سويّ بعد ذلك ، كما ذكره بعض المفسرين (١).
وقد فسر الابتلاء ، بالاختبار أو بالتكليف ، بما يعنيه الإنسان في دخول التجربة الحيّة المتحركة التي قد يفشل في إيصالها إلى النتائج الإيجابية ، وقد ينجح في ذلك تبعا لما يتحرك فيه من طاعة ومعصية ... وردّه صاحب الميزان
__________________
(١) تفسير الميزان ، ج : ٢٠ ، ص : ١٣٢.