للنظرية في تفصيلات الحياة وجزئياتها ، وفي ما تتحرك به القيادة من تدريب الناس على طريقة احتواء النظرية العامة في الحياة الواقعية ، (يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ) التي بدأتموها بالكفر ، وحركتموها في أوضاع التمرد والجريمة في سلوككم العملي المنحرف عن الخط الصحيح. فإن الإيمان السائر على خط العمل يهيئ للغفران الإلهي الذي يناله المؤمنون بالله العاملون في خط طاعته ، فلا يبقى للماضي الأسود أيّ تأثير على مصيرهم المستقبلي في رحمة الله ، (وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى) فلا يستأصلكم بعذابه بل يمهلكم إلى الأجل الطبيعي الموعود المحدّد لكم في وجودكم الخاص ، (إِنَّ أَجَلَ اللهِ إِذا جاءَ لا يُؤَخَّرُ) فهو الذي حدّده في عملية تحديد جزئيات الوجود.
ويمكن أن يكون المراد بالأجل يوم القيامة الذي سوف يأتي بحتميته في وقته الحاسم الذي لا مجال لتخلّفه وتأخره ، (لَوْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) بالحقائق النهائية الحاسمة التي لا يمكن أن تنحرف عن دائرتها الواقعة في حركة الوجود المنطلق من إرادة الله.
* * *
النبي نوح يقدم تقريره النهائي إلى الله
(قالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَنَهاراً) فلم تشغلني أوضاع النهار ومشاغله عن الدعوة إليك ، كما لم يبعدني الليل في راحته الاسترخائية التي تدفع إلى النوم عن ذلك ، لأنني أعتبر مسألة الرسالة مسألة حيويّة تفرض على الرسول أن يتابع إبلاغها وتحريكها في حياة الناس ، لحظة بلحظة ، من خلال مراقبته للأوضاع التي يعيشونها في نقاط ضعفهم وقوّتهم ، ليستفيد من أيّة حالة عميقة أو طارئة ، في سبيل الوصول إلى قناعات الناس الفكرية والروحية التي تتغير وتتبدل ، تبعا لما يحيط بهم من أوضاع ، ولما تحفل به حياتهم من متغيّرات ، لأن الإنسان قد