على أن نصوّر بنانه على صورتها التي كانت عليها بحسب خلقنا الأول.
وتخصيص البنان بالذكر ـ لعله ـ للإشارة إلى عجيب خلقها بما لها من الصور وخصوصيات التركيب والعدد ، إذ تترتب عليها فوائد جمّة لا تكاد تحصى من أنواع القبض والبسط ، والأخذ والردّ ، وسائر الحركات اللطيفة والأعمال الدقيقة والصنائع الظريفة التي يمتاز بها الإنسان من سائر الحيوان ، مضافا إلى ما عليها من الهيئات والخطوط التي لا يزال ينكشف للإنسان منها سرّ بعد سرّ» (١).
ولعلّ هذا أقرب إلى طبيعة الجوّ الاستدلالي في الآية ، وقد يضاف إلى أسرار الإبداع في خلق البنان ، أنها تمثل في خطوطها الدقيقة دليل الشخصية ، لأن الناس يختلفون في بصمات أصابعهم ، بحيث لا يتفق واحد في ذلك مع الآخر ، مهما اقتربت علاقاتهم النسبية ، مما يجعل من معرفة طبيعة البصمة سبيلا لمعرفة صاحبها لاكتشاف مسئوليته عن الجريمة ونحوها من القضايا المتصلة بمسؤولية الناس في قضاياهم العامة والخاصة.
* * *
مشكلة الكافر أنه لا ينظر إلى الأمور نظرة بعيدة
ولكن مشكلة الإنسان الكافر ، أنه لا يركز عقله ، ولا يحرّكه في الاتجاه الصحيح الذي يكشف من خلاله الحقائق ، (بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسانُ لِيَفْجُرَ أَمامَهُ) ليحوّل امتداد عمره في ما يستقبله منه إلى حركة في الانحراف العقيدي الذي يمثل حالة من الفجور الفكري يمتد إلى الفجور العملي ، لأن الإنسان الذي لا يؤمن بالآخرة يشعر بالحرية المطلقة تجاه كل المعاصي التي يقوم بها ، لأنها لا تحمل أيّة مسئولية جزائية في مفهومه ، فلا تعود للقضايا الكبيرة معانيها في القيم
__________________
(١) تفسير الميزان ، ج : ٢٠ ، ص : ١١٤.