أليس الله بقادر على أن يحيي الموتى!؟
(أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنى) أي يراق ، فكيف تحركت هذه النطفة في رحلة الوجود والحياة ، (ثُمَّ كانَ عَلَقَةً) في وضع خاص في الرحم تتعلق بجدرانه لتعيش وتستمد الغذاء ، فمن أين عاش السرّ فيها ، وكيف استوعبت كل خصوصياته ، (فَخَلَقَ فَسَوَّى) من خلال رحلة النطفة المعقّدة بكل تفاصيل مسألة النمو الحيويّ التي رافقت عملية التحوّل إلى جنين كامل في كل أجهزته.
وهكذا تحوّلت الخليّة الواحدة إلى ذكر وأنثى ، ويبقى التساؤل عن ماهيّة الخصوصية البارزة في النطفة التي انطلق منها هذا التنوّع ، الذي جعل منها ذكرا في خصوصية الذكورة ، أو أنثى في خصوصية الأنوثة. هل كان هناك تدخّل من أحد ، أم أنه الله الذي أودع سرّ الأسرار في ذلك كله ، كما أبدع عمق السرّ في نموّ الإنسان وحركيته في رحلته من الحياة إلى الموت؟ إنه الله الذي خلق الخلق كله ودبّره في بداية وجوده ، وفي مقدمته الإنسان ، (فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى) حيث كان ذلك هو الأساس في استمرار قانون التوالد الذي امتدت من خلاله الحياة الإنسانية.
(أَلَيْسَ ذلِكَ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى) إنه ليس سؤال الحاجة إلى المعرفة ، ولكنه سؤال الحاجة إلى تقرير الحقيقة التي تفرض نفسها على العقل الذي يحاكم القضايا من موقع القاعدة الواحدة التي تخضع لها في طبيعة الوجود ، وعلى الوجدان الذي يستوحي من طبيعة السرّ هناك طبيعة السرّ هنا ، وعلى الشعور الذي يمتصّ الحقيقة في إحساسه ، من خلال صفاء الفطرة الكامنة فيه ، التي توحي بأن القادر على النشأة الأولى ، هو القادر على النشأة الأخرى ، فهي حقيقة الحقائق التي يخشع أمامها الإنسان بكل وجوده.
* * *