أجواء الحرمان الذي يصيب بعض الفئات الاجتماعية المحرومة الخاضعة لبعض الظروف الضاغطة عليهم ، كما هي حال اليتم في اليتيم ، والفقر في المسكين ، والأسر في الأسير ، فيعانون الجوع في كثير من الحالات ، لكنهم يجدون لدى هؤلاء الأبرار انفتاحا على حاجاتهم الغذائية ، فيقدمون لهم الطعام في لمسة تعبيرية رائعة ، في الوقت الذي قد يكونون محتاجين إليه في حياتهم الخاصة ، ولعل هذا هو معنى (عَلى حُبِّهِ) ، أي مع توق النفس إليه لشدة الحاجة ، وهذا هو ما نستوحيه من قوله تعالى : (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ) [آل عمران : ٩٢].
(إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ) حيث التعبير عن الرغبة في القرب إليه ، فهم يقدمونه لله عند ما يقدّمونه لهم ابتغاء مرضاته بعيدا عن النوازع الذاتية ، (لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَلا شُكُوراً) لا التعويض المادي ولا المعنوي ، فهي الرحمة العميقة في القلب المنفتح على الناس من خلال انفتاحه على الله ، وهي الروح التي تعيش العطاء كرسالة روحية تتحسّس حاجات الآخرين وآلامهم ، ولذا فإنها تبذل وتبذل ، وتتدفّق بالخير كله تماما كما هو الينبوع عند ما يتدفق بالماء إلى الأرض العطشى ، وكما هي الشمس تبذل النور إلى كل الآفاق المظلمة التي تتطلع إلى رحاب الشروق.
* * *
بين سموّ العطاء والخوف من الله
وهذا ما تنطلق فيه التربية الإسلامية للشخصية الإنسانية من أجل أن يكون العطاء عنصرا ذاتيا في الإنسان بحيث يتحرك في ذاته بشكل عفويّ ، وأن يكون الدافع الأساس في ذلك كله هو ابتغاء وجه الله ، حيث ينفتح على الله كما لم ينفتح على غيره ، فهو الوجود كله ، ولا وجود لغيره ، وهو الغاية في كل