يشرّع من أصله ، ولا يكلّف الله نفسا إلا وسعها.
على أنه تعالى يصدّق لنبيه صلىاللهعليهوآلهوسلم وطائفة من الذين معه ، قيام الثلث والنصف والأدنى من الثلثين ، وينسب عدم التمكن من الإحصاء إلى الجميع ، وهم لا محالة هم القائمون وغيرهم ، فالحكم إنما كان شاقا على المجموع من حيث المجموع دون كل واحد ، فوسّع في التكليف بقوله : (فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) وسهّل الأمر بالتخفيف ليكون لعامة المكلّفين فيه نصيب مع بقاء الأصل المشتمل عليه صدر السورة على حاله لمن تمكن من الإحصاء وأراده ، والحكم استحبابي لسائر المؤمنين وإن كان ظاهر ما للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم من الخطاب الوجوب ، كما تقدمت الإشارة إليه (١).
* * *
مناقشة مع العلامة الطباطبائي في الميزان
وقد نلاحظ على ما ذكره العلامة الطباطبائي ، بأن الظاهر من قيام المؤمنين معه في نداء التشريع الأوّل في صدر السورة ، أنهم لم يفهموا من خلال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم اختصاص التشريع به ، سواء كان إلزاميا أو استحبابيا ، على أساس أن الله يخاطبه في القرآن في كثير من الحالات ، بما يريد للمؤمنين أن يقوموا به ، لأن التشريع شامل للجميع. وقد يكون عدم تيسّر الإحصاء لمجموع المكلّفين من باب الحكمة للتخفيف ، فلا يكون التشريع الأول مختصا بجماعة خاصّة ، بل إن الظروف الأولى للدعوة كانت تقتضي نوعا من التشديد لأن طبيعة الظروف الصعبة التي تحيط بالدعوة الإسلامية ، تفرض التعبئة الروحية بالمستوى الكبير ، أو يكون أخذ المؤمنين له مع النبي على أنفسهم بأسلوب الشدّة للاستغراق في روحية التقوى لا من جهة اقتضاء
__________________
(١) تفسير الميزان ، ج : ٢٠ ، ص : ٨٢ ـ ٨٣.