إن هذه تذكرة
(إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ) في ما تعبر عنه هذه السورة من حقيقة الوجود الإنساني وحرية الاختيار في الإنسان ، وآفاق الهداية في حياته ، وحركة المسؤولية في التزاماته في دائرة السلب والإيجاب ونتائج المواقف غدا بين يدي الله ، مما يفتح قلب الإنسان على الله ليذكره دائما ، فلا يغفل عنه القلب واللسان والروح ، ليتجه إليه في عمله وليستمع إلى النداء الرسالي الصادر منه في دعوته إلى الناس أن يأخذوا بالطريق المستقيم ، (فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً) فإن الطريق مفتوح للوصول إلى الله ، بكل رحابته من دون موانع ولا حواجز ، ولأن الطرق إلى الله بعدد أنفاس الخلائق.
* * *
وما تشاءون إلا أن يشاء الله
(وَما تَشاؤُنَ إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) لأن الوجود كله في حركته خاضع لمشيئة الله الذي خلق الأسباب وربط بها المسببات في تخطيط النظام العام للكون وللإنسان والحياة ، فلكل ظاهرة قوانينها ، ولكل موجود دائرته التي يتحرك فيها من خلال الخصائص المودعة فيه ، ولكل حركة ظروفها المعيّنة ، وللإنسان في مشيئته لأفعاله أسبابه الخاضعة للقانون العام الذي جعله الله لوجوده في علاقته بكل الأشياء من حوله وفي تأثره بها ، وفي خضوع اختياره لها ، في ما تحركه من عناصرها على الصعد الذهنية والنفسية ، وغير ذلك مما يخضع لمشيئة الله. ولكن ذلك لا يلغي عملية الاختيار التي تجعل الأفعال صادرة عنه بلا واسطة ، لأن المسألة هي أن الله أراد للإنسان أن يشاء في ما أودعه فيه من