وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة
(وَما جَعَلْنا أَصْحابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً) حدد الله ما أراد أن يقوموا به من أدوار في عالم الآخرة ، وذلك هو غيب الله الذي يعلم أبعاده سيّما من جهة ما يعلمه من طاقة الملائكة على المهمّات الصعبة التي قد لا يستطيع البشر القيام بها ، مما لا يمثل فيه العدد شيئا مهمّا ، لأن من الممكن أن يقوم ملك واحد بما لا يستطيع البشر أن يقوموا به ، كما نلاحظه في حالة الملك الموكل بمهمة قبض أرواح العباد ، وهذا ما لم يدركه الكفار في مكة عند ما سمعوا أنّ الملائكة الذين يشرفون على النار تسعة عشر ، فخيّل إليهم أن ذلك يمثل حالة ضعف في الموقف في النار ، فاستهانوا بها في أسلوب ساخر ، وذلك في ما روي عن ابن عباس ، أنه لمّا نزلت (عَلَيْها تِسْعَةَ عَشَرَ) قال أبو جهل لقريش : «ثكلتكم أمهاتكم أسمع ابن أبي كبشة (١) يخبركم أن خزنة النار تسعة عشر وأنتم الدهم ، أيعجز كل عشرة منكم أن يبطشوا برجل من خزنة جهنم» (٢) فقال أبو الأسد بن أسيد بن كلدة الجمحي ، وكان شديد البطش : أنا أكفيكم سبعة عشر فاكفوني أنتم الاثنين ، وهذا هو ما جعل المسألة اختبارا وامتحانا للكافرين الذين يسارعون إلى الاعتراض والاستهزاء بما لم يفهموا طبيعته وأبعاده الغيبية ، وذلك هو ما أشار إليه الله سبحانه في قوله : (وَما جَعَلْنا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا) الذين لم يتابعوا الفكرة مع النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ليسألوه عن تفاصيلها ، ليعرّفهم ما عرّفه الله إياه ، لأنهم ليسوا في موقع التفاهم القائم على الحوار ، بل كانوا في مواقع الإنكار والسخرية ، أمّا الذين يملكون علم الغيب من خلال الوحي الذي أنزله الله على الأنبياء ، فإنهم يؤمنون بمصادر العلم اليقينية في رسالات الله.
__________________
(١) يقصد النبي محمد صلىاللهعليهوآلهوسلم.
(٢) الدر المنثور ، ج : ٨ ، ص : ٣٣٣.