الغيب من اختصاص الله
(قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ ما تُوعَدُونَ) من أمر الآخرة التي تواجهون فيها الموقف الحاسم بين يدي الله (أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً) أي غاية ينتهي إليها في ما يعلمه من غيب الآخرة (عالِمُ الْغَيْبِ) الذي يملك معرفة الغيب كله ، كما يملك معرفة الحسّ كله لأنه هو الخالق لذلك ، فلا يغيب عنه من أمر خلقه شيء ، ولا غيب بالنسبة إليه ، بل هو الحضور المطلق في كل الأشياء بدقائقها الخفية والظاهرة.
(فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً) من خلقه ، لتكون لهم المعرفة الغيبية في ما يريد الله أن يختص به من علم الدنيا والآخرة مما لا يملك الناس وسائل معرفته.
(إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ) فإنه يلقي إليه بالوحي الذي هو من عالم الغيب ، كما يلقي إليه ما يتوقف عليه من الأمور التي قد يحتاج إليها في أمر الرسالة. ولكن هل يجعل لديه ملكة العلم بالغيب ، حتى إذا أراد علم شيء علمه ، أو يحدّد له بعض الأشياء بشكل خاص تفصيليّ ، أو يلهمه علم ما يحتاج إليه في بعض حالات الضرورة أو التحدي؟
هناك وجوه عديدة في المسألة ، وقد يأخذ بكل وجه قائل معيّن ، ولكن الظاهر من الآيات القرآنية أن المسألة ليست مسألة ملكة في داخل شخصية الرسول ، بل هي علم من ذي علم ، يحدّد الله له فيها خصوصيته في نطاق الرسالة لا في نطاق الذات. ولعلّ أبلغ آية دالة على ذلك هو قوله تعالى : (وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَما مَسَّنِيَ السُّوءُ) [الأعراف : ١٨٨] ، مما يوحي بأن النبي لا يملك علم الغيب الذي يقيه من مكاره الدهر من مرض أو