انكشاف الحق
(وَغَدَوْا عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ) في اتفاقهم على منع المساكين ، في حالة نفسية حاقدة وقرار حاسم على إتمام المهمّة المقرّرة من دون أيّ عائق طارئ ، في ما يخيّل إليهم من القدرة المطلقة التي يملكونها في هذا المجال ، وهنا كانت المفاجأة التي أسقطت كل آمالهم وأحبطت كل مشاريعهم.
(فَلَمَّا رَأَوْها قالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ) فكيف حدث هذا ، وما هو السبب ، ومن هو الجاني؟ إن الجوّ لا يوحي بأيّ جواب ، مما يجعلنا نعيش في حالة من الضياع في طبيعة المسألة في ظروفها وأسبابها الخفيّة. ومرّت عليهم سحابة ثقيلة من الألم والشعور بالخيبة والحرمان : (بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ) فقد فقدنا كل شيء ، ولم يعد لدينا ما نؤمّله من المال الذي نقضي به حاجاتنا ، ونحصل به على رغباتنا ، فكيف نتصرف وماذا نفعل أمام هذا الجو الذي يوحي باليأس؟!
(قالَ أَوْسَطُهُمْ) وهو الذي يملك الحدّ الوسط أي المعتدل في تفكيره لأنه يرصد الأمور بعقل متوازن ، يدرس الواقع من خلال أسبابه المادية وعناصره الروحية الغيبية المتصلة بالله بما يبتلي به بعض عباده ، بالطريقة الغيبية التي لا تخطر على بال أحد ، لأنه الذي قد يسلب الإنسان رزقه من حيث لا يحتسب ، كما قد يرزقه من حيث لا يحتسب.
وقد كان هذا الإنسان يتحدث إليهم بالانفتاح على الله والإيمان به ، والحذر من عقابه في انحرافهم عن طريقه المستقيم ، وكانوا لا يسمعون له ، فلما رآهم وهم مستغرقون في دراسة الحسابات المادية من خلال الأجواء المحيطة بهم ، وغارقون في المشاعر النفسية السلبية المسحوقة تحت وطأة الحرمان ، التفت إليهم وقال لهم : (أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْ لا تُسَبِّحُونَ) في التفاتكم إلى