ذلك ، كما يفعل بعض الناس عند ما يتحدثون عن أيّ عمل يريدون القيام به في المستقبل ، فيقولون سنفعل ذلك إن شاء الله ، أو إلّا أن يشاء الله خلافه ، وربما كان المعنى أنهم لم يعتبروا في اتفاقهم نصيبا للفقراء والمساكين ليعزلوه لهم ليكون استثناء من حصتهم. وهكذا عاشوا التمنيات الصباحية في ليلهم الأسود في ثقة كبيرة بأنهم سوف يبلغون ما يريدونه ، فيقطفون ثمار هذه الجنة ليحصلوا منها على المال الوفير.
(فَطافَ عَلَيْها) أي على الجنة (طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ) في ما يرسله الله إلى بعض عباده من البلاء المتنوّع الذي يطوف بأرزاقهم وأجسادهم ، من رياح عاصفة وأمراض فاتكة ، وأوضاع قاسية ، ونيران محرقة (وَهُمْ نائِمُونَ).
(فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ) أي كالشجر المقطوع ثمره ، أو كالليل الأسود ـ في المعنى الآخر للصريم ـ لما اسودّت بإحراق النار التي أرسلها الله عليها ، أو كالقطعة من الرمل التي لا نبات فيها ولا فائدة. والمهم في كل هذه المعاني أن الجنة لم تعد لها أيّة نتيجة مادية على مستوى آمالهم الكبيرة.
(فَتَنادَوْا مُصْبِحِينَ) تبعا للاتفاق بينهم ليجتمعوا للذهاب إلى الجنة في بداية الصباح (أَنِ اغْدُوا عَلى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ) إن كنتم قاصدين لقطع الأثمار من الأشجار. وهكذا استجابوا للنداء (فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخافَتُونَ) في حديث خافت يحذرون فيه أن يسمعهم أحد ، وهم يتآمرون ويتواصون فيما بينهم.
(أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ) من هؤلاء المساكين الذين يتجمعون حول البساتين في مواعيد قطف الثمار ، ليحصلوا على شيء منها من خلال ضغط طلباتهم الملحّة التي قد تحرج أصحابها فيبادرون إلى الاستجابة لهم.
* * *