يحركه ، وكيف يوجه الناس إلى الآفاق الرحبة من خلاله ، وكيف يجعل منه المنطلق لثقافة الحياة وحركتها في الطريق التي يفتحها نحو الغاية التي يحدّدها ، وليصنع منها الكثير مما تتنوع فيه مصادرها ومواردها ، ليكون العنوان الذي يمنح الإنسان المعرفة الواسعة العميقة التي تتنوع وتتحرك لتقرّبه إلى الله ، ولتجعله الجدير بأن يكون خليفته في الأرض ، من موقع الطاعة ، والدعوة والحركة والانطلاق.
ولذلك فإن الكلمات التي تتهمك بالجنون ، لا تملك عمقا ، في ما هو العمق من شخصيتك ، ولا تملك سطحا في ما هو السطح من حركة حياتك ، ولا تملك الأفق في ما هو الأفق من امتدادات فكرك وانطلاقات وعيك وإيمانك ، فلا قيمة لها مهما أثارت من الأجواء المعقّدة أو حركت من المواقع الملتوية ، لأن الله يشهد لك بكفاءة العقل فيك ، وبنفي الخلل عنك.
(وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ) أي غير مقطوع ، لأنه ليس محدودا بحدّ معيّن ، فهو الأجر على الرسالة التي أعطيتها الكثير من جهدك ، وعانيت ما عانيته في سبيلها ، حتى اهتدى الناس بها في ما بلّغته من آياتها ، واستقام الطريق في ما حدّدته من مناهجها ، وانفتحت المعرفة على آفاق واسعة جديدة في ما أطلقته من أفكارها ، فامتدت مع الأجيال لتعمّق إحساسهم بالإيمان بالله ، ولتدفع بعقولهم إلى بناء الحياة على قاعدة الحق والخير والعدل بين يدي الله ، فكان لك أجر ذلك كله ، لأنك ركّزت الأساس وأعليت البناء ولا مست الأعماق بالمحبة والرحمة ، ولا تزال الرسالة تجري مجرى الأنهار ما بقيت الحياة ، ولا يزال أجرك يمتد معها امتداد النور مع الشروق.
وربما احتمل بعضهم بأن المقصود بالمنّ المنفيّ هنا ، ذكر المنعم إنعامه وترديده على أسماع المنعم عليه أو على أسماع غيره ، فأريد هنا بيان أن الأجر مما يستحقه الرسول بما جعله الله له ، فلا منّة عليه.