(وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً) سواء في الصلاة أو في غيرها ، لأن قراءة القرآن تدخل في المنهج التربوي الإسلامي الذي يريد الله ـ من خلاله ـ للإنسان المسلم أن يرتبط بالوحي في مفاهيم العقيدة والشريعة ، وفي حركة الدعوة والجهاد ، ليصوغ ذاته صياغة إسلامية كاملة ، بحيث لا يكون في داخله شيء لغير الإسلام ، ولا يكون ذلك إلا بالاستغراق في كل أجواء الوحي وآفاق العبادة ، ليرتفع به الوحي إلى رحاب الله في حركة الوجود من حوله ، وتطوف به العبادة في أجواء الروح التي تحلّق نحو الله لتلتقي به ، في عروجها إليه من خلال المعرفة الواعية المنفتحة على كل صفات الكمال والجلال والجمال في ذاته.
والمراد بترتيل القرآن تلاوته بتبيين حروفه ، وذلك بمدّ الصوت به وتجويده بطريقة خاشعة متوازنة لا تحمل أجواء التغنّي ، ولا ميوعة التنغيم.
وقد جاء في الدر المنثور : «أخرج العسكري في المواعظ عن علي عليهالسلام أن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم سئل عن قول الله : (وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً) قال : بيّنه تبيينا ولا تنثره نثر الدقل ، ولا تهذّه هذّ (١) الشّعر ، قفوا عند عجائبه ، وحرّكوا به القلوب ، ولا يكن همّ أحدكم آخر السورة» (٢).
وجاء فيه : «أخرج ابن أبي شيبة عن طاوس قال : سئل رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أي الناس أحسن قراءة؟ قال : الذي إذا سمعته يقرأ رأيت أنه يخشى الله» (٣).
وعلى ضوء ذلك ، تؤكد التربية الإسلامية في قراءة القرآن على القراءة الهادئة الحلوة الخاشعة التي تفسح المجال للكلمة أن تنغرس في القلب ، وللفكرة أن تتعمق في الوجدان ، وللخشوع أن يهز الكيان كله ، حتى ليحسّ
__________________
(١) هذّ القرآن يهذّه هذا : أسرع في قراءته وقطعه.
(٢) الدر المنثور ، ج : ٨ ، ص : ٣١٤.
(٣) (م. ن) ، ج : ٨ ، ص : ٣١٤ ـ ٣١٥.