العبد فى اليوم والليلة خمس صلوات لم يكلفه أن يؤديها دفعة واحدة ، بل جعلها عليه منجمة [مفرقة] فصلاة يومك لم يقبضها منك دفعة واحدة ، وأعطاك من الرزق يكفيك لسنين كثيرة ، وأنت تشكو وتتهم.
حكى أن رجلا جاء إلى بعض الصالحين وقال : إلى كم تقولون إنه يوسع الرزق ومذ كذا يوم لم يكن فى دارى شيء ولم يطعم عيالى شيئا ، حتى بعت شيئا ورثته عن أبى وورثه أبى عن جدى ، فقال الرجل الصالح : يا ضعيف اليقين والنظر ، ويا قليل الفتوة والعبر ، مذ كذا وكذا سنة قبضت منه هذا الرزق وأنت تشكوه وتتهمه.
ومن لطفه بعباده أن يوصل إليهم ما يحتاجون إليه من غير تجشم كلفة ، فإن الرجل إذا أكل لقمة ، فلو فكر فيها لعلم كم عين سهرت فى تلك الليلة حتى صلحت لتناوله ، من عامل أصلح الأرض لزراعتها ثم لإلقاء البذر فيها ثم لحصادها ثم لتنقيتها ثم لطحنها ثم لخبزها ، وهكذا كل شيء يرتفق به من ملبوس ومشروب ومطعوم ، فلو احتاج إلى ممارسة تلك الأشياء للحقه من المشقة ما لا طاقة له به ، ومن لطفه بعباده توفيق الطاعات وتسهيل العبادات وتيسير الموافقات ، إذ لو لا ذلك لكان للمخالفات مرتكبا وفى الزلات منهمكا ، ثم من لطفه بالعباد حفظ التوحيد فى القلوب وصيانة العقائد عن الارتياب وسلامة القلوب عن الاضطراب ، قال الله تعالى : (يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَفِي الْآخِرَةِ) (١) فإن بقاء المعرفة بين وحشة الزلة أعجب من إخراج اللبن من بين الفرث والدم ، ولكن جرت سنته سبحانه وتعالى يحفظ كل لطيفة بين كل كثيفة ، بل أجرى سنته بإخفاء الودائع فى
__________________
(١) إبراهيم : ٢٧.