وإذا علم العبد أن الحق سبحانه كافيه لم يرفع حوائجه إلا إليه فإنه سبحانه لسريع الإجابة لمن انقطع إليه وتوكل فى جميع أحواله عليه ، ولا سيما إذا كانت حاجته متمحضة فى حق الله تعالى لأنه إذا كانت حاجته فى حفظ نفسه فربما يحصل منع وتأخير فى قضاء الحاجة.
يحكى عن أبى الحسين الديلى ، وكان كبير الشأن ، أنه قال : وصف لى بأنطاكية إنسان أسود يتكلم على القلوب ، قال : فقصدته ، فلما رأيته رأيت معه شيئا من المباحات يريد أن يبيعه فساومته وقلت له : بكم تبيع هذا؟ فنظر إلى ثم قال : اقعد فإنك جائع منذ يومين ، حتى إذا بعنا هذا نعطيك من ثمنه شيئا ، قال فمضيت إلى غيره وتغافلت عنه كأنى لم أسمع ما قال ، وساومت غيره مما كان بين يديه ، ثم عدت إليه وقلت له : بكم تبيع هذا؟ فنظر إلى وقال : اقعد فإنك جائع منذ يومين ، حتى إذا بعنا هذا نعطيك من ثمنه شيئا ، قال: فمضيت إلى غيره ، وتغافلت عنه كأنى لم أسمع ما قال ، وساومت غيره ثم عدت إليه وقلت مثل قولى الأول والثانى فقال : اقعد فإنك جائع منذ يومين حتى إذا بعنا هذا نعطيك من ثمنه شيئا ، قال : فوقع على قلبى منه هيبة ، فلما باع ذلك أعطانى شيئا ومضى ، قال : فمضيت خلفه لعلى أستفيد منه شيئا يقوله لى ، قال : فالتفت إلى وقال : إذا عرضت لك حاجة فأنزلها بالله ، إلا إن يكون لك فيها حظ فتحجب عن الله تعالى إذا.
ومن علم أنه كافيه لا يستوحش من أعراض الخلق ولا يستأنس بقبول غير الحق ، ثقة بأن الّذي قسم له لا يفوته ، وإن أعرضوا ، وأن الّذي لم يقسم له لا يصل إليه ، وإن أقبلوا ، ثم إن العبد إذا اكتفى بحسن توليه سبحانه لأحواله فعن قريب يرضيه بما يختار له مولاه سبحانه ، فعند ذلك يؤثر العدم على الوجود