ومن وجوه إحسانه إليهم الّذي يخفى على أكثر الخلق حفظه عليهم قلوبهم وتصفيته لهم أقواتهم وأوقاتهم ، فإن النعمة العظمى نعمة القلوب ، كما أن المحنة الكبرى محنة القلوب.
يحكى عن بعضهم أنه قال : كنت قاعدا عند سحنون وكان يترنم فى نفسه وبيده قضيب يضرب به على فخذه ، فانشق اللحم وسال الدم وهو يقول :
كان لى قلب أعيش به |
|
ضاع منى فى تقلبه |
رب فاردده عليّ فقد |
|
ضاقت الدنيا عليّ به |
رب فاردده عليّ فقد |
|
عيل صبرى فى تطلبه |
وأغث ما دام بى رمق |
|
يا غياث المستغيث به |
ويحكى عن بعضهم أنه قال : رأيت رجلا يطوف بالبيت وهو يقول : واوحشاه بعد الأنس ، وإذلاله بعد العز ، وإفقاره بعد الغنى ، قال : فقلت له : أذهب لك مال أم أصابتك مصيبة؟ قال : لا ، ولكن كان لى قلب فقدته.
ويحكى عن أبى عبد الله بن خفيف أنه قال : رأيت بمصر فقيرا يطوف على الناس ويقول : ارحمونى فإنى رجل صوفى ، ذهب منى رأس مالى ، فقلت : أو للصوفى رأس مال؟ قال : فقال : نعم ، كان لى قلب ففقدته.
وأن الحق سبحانه إذا أراد أن يتحف عبدا أغناه بلا مال ، وكفاه بلا احتيال ، وأعزه من غير رهط وأشكال ، يعافيه إذا مرض من غير علاج ، ويحميه فى عمره من غير فاقة واحتياج.