شاهدا لأنه تبين شهادته حكم المشهود عليه ، لأنه إذا شهد الشهود اتضح حكم المشهود به.
وأما الشهيد فى صفة الخلق فالمقتول فى سبيل الله سمى شهيدا ، واختلف الناس لم سمى بذلك؟ فمنهم من قال : لأن دمه سال على شهادة الأرض ، أى على ظاهرها ، وهذا لا يقوى ، لأن غير المقتول يسمى شهيدا ، كالمبطون والغريق وغيره ، وليس كل مقتول فى سبيل الله يجرى دمه على شهادة الأرض ، وقيل : سمى شهيدا لأنه شهد الوقيعة والمعركة ، وهذا أيضا لا يقوى ، لأنه إذا لم يقتل فى سبيل الله لا يسمى شهيدا وإن حضر الوقيعة ، وقيل : إنما سمى شهيدا لأن ملائكة الرحمة تشهده ، أى تحضره ، فيكون فعيلا بمعنى مفعول ، وهذا أقوى ، وقيل : إنما سمى شهيدا مبالغة من الشاهد ، أى شهد هو رحمة الله ولطفه ، وقيل : سمى شهيدا بمعنى مفعول ، أى الله شهد له باللطف والرحمة [فهو مشهود].
وإذ علم العبد أن الله تعالى يشهد ويعلم ويبصر جميع أفعاله وأحواله سهل عليه ما يقاسيه لأجله وهان عليه ما يعانيه لرضاه ، قال الله تعالى : (وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا) (١).
وحكى أن رجلا كان يضرب بالسياط ، وكان يصبر ولا يصيح ، فوقف عليه بعض المشايخ فقال له : أما يؤلمك؟ فقال : نعم ، فقال : لم لا تصيح؟ فقال : فى القوم لى عين ترقبنى أخشى أن يذهب ماء وجهى عنده إن صحت.
سمعت الشيخ منصور المغربى يقول : جرد إنسان للسياط فصبر ولم يصح ، فلما فرغوا من ضربه قال لبعض أصحابه : تقدم إلى ، فتفل على يديه رقاق
__________________
(١) الطور : ٤٨.