الفضة ، فقال : ما هذا؟ فقال : درهم كان فى فمى ، كلما أوجعنى الضرب شددت عليه أسنانى ، لأنه كان ينظر إلى بعض من اعتقد فىّ الشجاعة والجلادة فقلت : إن صحت ذهب ماء وجهى عنده.
ويحكى عن بعضهم أنه قال : دخلت بلاد الترك فرأيت بيتا للأصنام فيه صنم كبير معلق على رأسه طابق ، وفى عنقه فأس معلق ، فقلت : ما هذا؟ فقال : جاء إنسان وادعى محبة هذا الصنم فقيل له : ما علامة صدقك؟ فقال : أن أقطع بين يدى هذا الصنم إربا إربا ، ويعلى عليّ هذا الطابق وأنا لا أتحرك فى رؤيته ، ففعل به ذلك فصبر ، فعلق هذا على رأسه.
ويقال : من ادعى محبة هذا الصنم فليصبر على ما صبر عليه ذلك الرجل.
وإذا كان الناس يحملون على رؤية أمثالهم وأشكالهم أمثال هذه المحن ، فمن ادعى المحبة لرؤية الله تعالى ثم لا يصبر على قرصة نملة يكون مخدوعا ، وإذن علم أنه متجوز فى دعواه ، غير صادق فى حق مولاه ، قال الله سبحانه : (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ وَكانَ اللهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطاً) (١) وأن أهل المعرفة لم يطلبوا معه مؤنسا سواه ، ولا أحد يشكو بين يديه غيره ، بل رضوانه شهيدا على أحوالهم ، عليما بأمورهم ، كيف وهو يعلم السر وأخفى ، ويسمع النجوى ، ويكشف البلوى ، ويجزل الحسنى ، ويصرف السوء.
أنتم سرورى وأنتم مشتكى حزنى |
|
وأنتم فى سواد الليل سمارى |
فإن تكلمت لم ألفظ بغيركم |
|
وإن سكت فأنتم عقد إضمارى |
__________________
(١) النساء : ١٠٨.