بفنون الدلائل وصنوف الحجج والملاطفات ، ومنور الأبدان بآثار العبادات ، فالطاعات زينة النفوس والأشباح ، والمعارف زينة القلوب والأرواح ، والتأييد بالموافقات نور الظواهر ، والتوحيد بالمواصلات نور السرائر ، وأن الله سبحانه يزيد قلب العبد نورا على نور يؤيده بنور البرهان ثم يمده بحسن البيان ، قال الله سبحانه (نُورٌ عَلى نُورٍ يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ) (١) ، وقد يهدى القلوب إلى محاسن الأخلاق لتؤثر الحق وتصطفيه ، وتترك الباطل وتدع ما يستدعيه.
وفى بعض الأخبار أن الله تعالى يحب حسن الأخلاق ويكره سفاسفها (٢) ، فمن معالى الأخلاق التحرز عن رق الأشياء واستصغار قدر الدنيا والجود بها على كل أحد ، وأن الله سبحانه يحب كل جواد سخى.
وفى بعض القصص أن الله تعالى أوحى إلى موسى عليهالسلام : لا تقتل السامرى (٣) فإنه سخى.
يحكى أن عبد الله بن عباس كان والى البصرة من قبل على رضى الله عنه فأتاه قراء البصرة وقالوا له : إن رجلا هاهنا صالحا مشتغلا بالعبادة ، وله بنت ، وقد زوجها من رجل وليس له ما يجهزها به ، فأدخلهم داره وأخرج ست بدارات دراهم وقال : احملوها إليه ، وحمل هو واحدة ، ومضوا إلى دار الرجل ووضعوها ، فلما انصرفوا قال لهم : ما عملنا جميلا ، شغلناه عن العبادة ، انصرفوا بنا نتولى ذلك الشغل ، فليس للدنيا من الخطر ما يشغل به عابد عن عبادته تعالى ، ولا فينا أيضا من يترفع عن القيام بأمر مسلم ، ومضى وقام يتولى ذلك الأمر بنفسه.
__________________
(١) النور : ٣٥.
(٢) السفيساف : كل ردئ حقير.
(٣) الّذي اتخذ العجل إلها ليعبده بنو إسرائيل.