بسمعه وبصره تعالى ، ولا أن يكون حيا بحياته ولا باقيا ببقائه تعالى ، لأن الصفة القديمة لا يجوز قيامها بالذات الحادثة ، كما لا يجوز قيام الصفة الحادثة بالذات القديمة ، وحفظ هذا الباب أصل التوحيد ، فإن كثيرا ممن لا تحصيل له ولا تيقن زعموا أن العبد يصير باقيا ببقاء الحق ، وأنه يكون سميعا بسمعه ، بصيرا ببصره ، حيا بحياته ، وهذا خروج عن الدين وانسلاخ عن الإسلام بالكلية ، وهذه البدعة أشنع من قول النصارى حيث قالوا : إن الكلمة القديمة اتحدت بذات عيسى ، وهذه البدعة توازى قول الحلولية حيث جوزوا على ذات الحق سبحانه الحلول فى الأشخاص المحدثة ، كذلك هؤلاء جوزوا قيام الصفة القديمة بالذات المحدثة ، وربما تعلقوا فى نصرة هذه المقالة الشنيعة بما روى فى الخبر عن الله تعالى إذ قال : «فإذا أحببته كنت له سمعا وبصرا ، فبى يسمع وبى يبصر» ولا احتجاج لهم فى ظاهره ، لأنه ليس فيه أنه يسمع بسمعى ويبصر ببصرى ، بل قال : بى يسمع وبى يبصر ، فالاتفاق أن ذاته لا يجوز أن تكون لأحد سمعا ولا بصرا ، فإذا تركوا الظاهر لم يبق إلا التأويل ، فالواجب الاشتغال بالتأويل الصحيح دون الباطل.
وإنما حملنا على المبالغة فى شرح هذا الفصل ما رأينا من الواجب علينا فى نصرة الدين ، ونحن فى زمان يناظرنا فيه من ليس له تحقيق ولا تحصيل ، ولما كثر من اغترار أهل الغباوة بما قد موهوا من التلبيس وغلب عليهم من قلة التحقيق وشدة التهويس ، حتى أن منهم من يقول : إن معرفة العبد ليست بمخلوقة ، وروحه ليست بمخلوقة ، وإنما أصل هذه البدع الفاسدة والأقاويل الركيكة الباطلة قول من قال : لفظ العبد وقراءاته القرآن ليس بمخلوق ، وإنما جوز هؤلاء الحشوية أن يكون قرآن قديم يوجد على لسان العبد ويسمع من