كان هناك انشاء أم لم يكن وذلك كالارادة النفسية التي تثبت آثارها من العلم والظن والشك سواء يقبل الانشاء أم لا. وغير خفي ان صيغة الأمر من مقولة الانشاء يقينا بمعنى انّها توجد النسبة والغرض من الطلب أيضا هو الطلب الانشائي بل هو سابق عليه فهو سابق على الارادة الفعلية أيضا فقد يكون الارادة الانشائية قائمة مقام الارادة الفعلية ـ كما لو اطلع العبد على وجود عدو في كمين المولى فيجب عليه دفعه وحفظ المولى وإلّا استحق العقاب ولا يقبل عذره بعدم صدور أمر من المولى.
ولو كان الانشاء لازما في الحكم التكليفي لم يكن الحكم مترتبا ما لم يترتب الانشاء مع ان الأثر يترتب كما في مثال العبد ومولاه. فالانشاء ليس إلّا لاعلام الارادة النفسية.
فلو قلنا ان الصيغة حقيقة في الوجوب فالوجوب الذي هو من أقسام الحكم التكليفي ليس تحققه دائرا مدار الانشاء حتى يكون الوجوب من مقولة الانشاء.
لكن لا مجال للقول بأنها حقيقة في الوجوب والتعبير الذي استعمله المتقدمون من انّه هل للأمر صيغة تخصه كان أصح وأصلح فان الصيغة الخاصة بالأمر يمكن أن يكون بالوضع كما يمكن أن يكون وضعه للازم وهذا اللازم ليس منفكا عن الوجوب وأما ان الأمر حقيقة في الوجوب فلا صلاحية فيه لافادة هذا المعنى. وهذا ما قلناه ان عبارة القدماء أحسن من عبارة المتأخرين.
ثم إنّ الأمر يستعمل في عدة معان ولو أننا قلنا بوضعه لأحد هذه المعاني كان من اللازم أن يكون بينه وبين المعنى المجازي علاقة بإحدى العلائق المرسلة. وحينئذ فأي مناسبة بين هذه المفاهيم وبين الوجوب والندب؟ ولهذا اعترف بعضهم بأن العلاقة بين معنى الأمر وبين هذه المعاني مما لم يحم حوله أحد. فالصيغة للبعث. والبعث له أغراض ودواع فقد يكون في مقام التكليف كالوجوب والندب. أو في مقام السؤال كما سبق توضيحه.